باتت الصناديق السيادية وبما لديها من أصول مالية تقدر بمليارات الدولارات، لاعبا رئيسيا في النظام المالي العالمي، وتجاوزت تلك الصناديق مهامها التقليدية باعتبارها نقطة ارتكاز رئيسية لدعم الاقتصاد الوطني لبلدانها، إلى القيام بدور مهم في تحقيق الاستقرار للمنظومة المالية الدولية. وكشفت مؤسسة سويفت المعنية بدراسة الاستثمارات الحكومية والصناديق السيادية، أن إجمالي الأصول التي تحتفظ بها تلك الصناديق البالغ عددها 73 صندوقا سياديا، قفز من 3.43 تريليون دولار عام 2008 إلى أكثر من 6.31 تريليون دولار في شهر آذار (مارس) الماضي. ومن بين القائمة التي أعدتها المؤسسة بشأن أهم عشرة صناديق سيادية في العالم، فإن أربعة منها تعود ملكيتها إلى بلدان خليجية وهي جهاز أبوظبي للاستثمار، ومؤسسة النقد العربي السعودي "ساما"، والهيئة العامة للاستثمار في الكويت، وهيئة قطر للاستثمار، برأسمال إجمالي يتجاوز ترليوني دولار، كما توجد صناديق سيادية لدى الجزائر وليبيا والعراق وسلطنة عمان لكنها أقل قدرة مالية من نظيرتها الأربعة الكبرى. وكانت ظاهرة الصناديق السيادية قد تنامت إثر ارتفاع معدلات النمو الاقتصادي في الاقتصادات الناشئة، ولدى الدول المصدرة للسلع الأولية، وما صاحب ذلك من تدفقات مالية ضخمة من العملات الأجنبية على الخزينة العامة لتلك البلدان، ومن ثم لجأت الحكومات ذات الفائض الاقتصادي في الأساس إلى إنشاء تلك الصناديق وتكليفها بمهمة إدارة الثروات والاحتياطات المالية الحكومية. وهنا، أبلغ توماس باري؛ المختص الدولي في مجال الاستثمارات المالية، أن النمو الراهن في أصول وثروات الصناديق السيادية عبر العالم، يرجع إلى زيادة التدفقات المالية الحكومية الموجهة لها أو من العوائد التي تحققها عبر استثماراتها المختلفة. وأضاف، "إن مصالح الصناديق السيادية تكمن في تحقيق الاستقرار المالي عالميا"، ولذلك يوجه الجزء الأكبر من استثماراتها إلى استثمارات طويلة الأمد بعائد مستقر وإن كان سعر الفائدة منخفضا". وبين، أن صندوق معاشات التقاعد الحكومي في النرويج يعد أكبر الصناديق السيادية في العالم برأسمال يقدر بـ 900 مليار دولار، فيما نجح في تحقيق عائد على استثماراته بنحو 5.3 في المائة خلال الربع الأول من العام الحالي، محققا بذلك 53 مليار دولار جراء الزيادة في قيمة الأسهم الأوروبية منذ شهر آذار (مارس) الماضي، نتيجة برنامج التحفيز المالي الذي تبناه البنك المركزي الأوروبي. ويقدر عدد الصناديق السيادية في العالم بنحو 73 صندوقا سياديا، ولا يعد إنشاء صناديق سيادية جديدة من الظواهر واسعة الانتشار، ففي عام 2014 أعلن عن إنشاء صندوق واحد وهو الصندوق الاستثماري الاستراتيجي الإيرلندي، بينما خلال الأشهر الماضية أعلنت حكومة هونج كونج إنشاء صندوق سيادي خاص بها. وحول السبب في انخفاض معدلات الزيادة في إنشاء الصناديق السيادية في العالم، قالت لـ "الاقتصادية" الدكتورة وندي هوار؛ أستاذة الاستثمار الدولي في كلية التجارة في جامعة ديرهام، "إن الصناديق السيادية مؤسسات تعود ملكيتها إلى الدولة، ولكي تحقق مردودا اقتصاديا حقيقيا ومؤثرا في الاقتصاد الوطني، يتطلب الأمر تمويلها برؤوس أموال واستثمارات وأصول بمليارات الدولارات". وبين أن مصادر التمويل، إما أن تكون من العوائد المحققة من تصدير النفط والغاز أو مواد أولية أخرى، أو من احتياطات البنك المركزي المتراكمة جراء الفائض في الميزانية العامة أو الميزان التجاري أو احتياطات النقد الأجنبي، لافتاً إلى أن هذا الوضع غير متاح لأغلب بلدان العالم خاصة في ظل معدلات النمو الاقتصادي المنخفضة عالميا. وكشفت دراسة دولية أعدتها مؤسسة Preqin بشأن الصناديق السيادية في العالم، أن 45 في المائة من تلك الصناديق لا تزال استثماراتها محدودة في مجال الأصول العقارية، وتقدر حاليا بأقل من 5 في المائة من إجمالي ما تمتلكه من أصول، وتعد تلك النسبة أقل من المعدل المستهدف لدى إدارات تلك الصناديق، بأن تبلغ نسبة استثماراتها العقارية 10 في المائة من إجمالي أصولها. وهنا قال لـ "الاقتصادية" كيني كيربي؛ المختص الاستثماري في بنك جولدمان ساكس، "إن تقليديا تستثمر الصناديق السيادية في الأسهم وفي السندات ذات الدخل الثابت، لأنها تتمتع باستقرار وثبات نسبي، لكن في السنوات الأخيرة زادت نسبة الاستثمارات العقارية في المحفظة الاستثمارية لتلك الصناديق، بهدف تنويع المحفظة الاستثمارية من جانب، وامتلاك أصول قادرة على تحقيق عوائد مرتفعة نسبيا تمكن الإدارة من إنجاز أهدافها على الأمد الطويل". وأضاف، أنه "يوجد حاليا نحو 59 في المائة من الصناديق السيادية تستثمر في الأصول العقارية، أبرزها جهاز أبو ظبي للاستثمار، والهيئة العامة للاستثمار في الكويت، والصندوق السيادي التابع لسنغافورة وتستثمر معا قرابة 18 مليار دولار في العقارات، وبصفه عامة كلما زادت القدرات المالية للصندوق السيادي زادت النسبة الموجهة من تلك الأصول للاستثمار في العقارات، ولذلك نجد أن الصناديق السيادية ذات الإمكانيات المالية المحدودة لا تستثمر في العقارات وتفضل أنماط الاستثمار التقليدية". وخلال العامين الماضيين، تراجعت شهية الصناديق السيادية للاستثمار في الولايات المتحدة الأمريكية، إذ انخفضت نسبة الصناديق المستثمرة في أمريكا من 72 في المائة من إجمالي تلك الصناديق عام 2013 إلى 59 في المائة حاليا، بينما حافظت أوروبا على نسبتها التي بلغت 55 في المائة وآسيا 50 في المائة. ويرجع المختصون انخفاض الإقبال على الاستثمار في أمريكا إلى الرغبة في تنويع الحكومات مجالات ومناطق استثماراتها، خاصة بعد الخسائر التي تعرضت لها تلك الصناديق عند اندلاع الأزمة الاقتصادية في الولايات المتحدة عام 2008. ويعتقد الاقتصاديون المنتمون للمدرسة النقدية، أنه يمكن التعويل على الصناديق السيادية لتحقيق الاستقرار في النظام المالي العالمي، ولا ينبع هذا الاعتقاد من طبيعة الأصول المالية الضخمة لديها فقط، إنما من خلال توجيه الأنماط الاستثمارية فيها، وخلق درجة أعلى من التنوع الاستثماري في محافظها الاستثمارية. من جهتها، اعتبرت الدكتورة برندا براون؛ الاستشارية في صندوق النقد الدولي، وسبق لها إعداد مجموعة من الدراسات والأبحاث عن تأثير الصناديق السيادية في الاقتصاد العالمي، في حديثها لـ "الاقتصادية"، "إن تعريف صناديق الثروة السيادية كأدوات ممولة من أصول النقد الأجنبي للدولة، وإدارة تلك الأصول بشكل منفصل عن الاحتياطات الرسمية للسلطات النقدية، يسمح بخلق مرونة أعلى في التعامل مع الأزمات المالية". واستدركت، "لكن ذلك يتطلب تنسيقا عالي المستوى بين السلطات النقدية وتحديدا البنك المركزي والمسؤولين عن إدارة الصندوق السيادي، مع ضرورة توافر الشفافية التامة في معرفة التركيبة التفصيلية للمحفظة الاستثمارية للصندوق". وأضافت أن "صناديق الثروة السيادية بما تمتلكه من أصول استثمارية ضخمة تعد في مقدمة العناصر الفعالة في الطلب العالمي"، مبينة أن السيولة المالية الضخمة التي تتمتع بها، والطبيعة البنيوية لاستثماراتها واختلافها عن المستثمرين الدوليين الراغبين في تحقيق الربح السريع بما فيه من مخاطر مالية، يجعلها قادرة على استيعاب التقلبات قصيرة الأجل في عوائد الأصول، وهذا يسهم في التنمية على الأمد الطويل، ويساعد على تحقيق استقرار النظام المالي العالمي". ومع هذا فإن بعضا من المختصين البريطانيين في مجال الاستثمار الدولي، يعتقدون أن الدور المنوط بالصناديق السيادية لتحقيق الاستقرار المالي عالميا، يتطلب مزيدا من الشفافية في أساليب الإدارة والاستثمار لديها، مع تحديد واضح لطبيعة التزاماتها، وقدرتها الواقعية على إعادة ما تم ضخه فيها من أموال، وضرورة وضع ضوابط واضحة على استثماراتها في البلدان النامية والأسواق المالية للاقتصادات الناشئة، لقدرتها على شراء أسهم في بورصات تلك البلدان، وتملك حصة ضخمة من الشركات الخاصة في بلدان أخرى، وما يتضمنه ذلك من تأثير في البيئة الاقتصادية والمناخ السياسي في آن واحد.