كتب - إبراهيم بدوي: حذرت باحثة بمركز كارنيجي لدراسات الشرق الأوسط منتصف الشهر الجاري من تنامي خطر الإرهاب الذي يهدّد نجاح التجربة التونسية باعتبارها قصة النجاح الوحيدة بين دول الثورات العربية والتي يعوّل عليها لإنجاح التجربة الديمقراطية في مواجهة الإرهاب والتحديات الاقتصادية والأنظمة الشموليّة في المنطقة. جانب مظلم وأشارت مهى يحيَ الباحثة في مركز كارنيجي لدراسات الشرق الأوسط في مقال تحليلي قبل أسبوعين تقريبًا من وقوع سلسلة الهجمات الدامية التي ضربت الكويت وتونس وفرنسا يوم الجمعة الماضي إلى ما وصفته بالجانب المظلم لنجاح تونس والمتمثل في استياء بعض الشباب من العملية السياسية وارتفاع معدّلات البطالة؛ ما يدفع بعضهم إلى الانضمام إلى التنظيمات الإرهابية. وشهدت تونس مارس الماضي مسيرة دوليّة ضخمة بعد الهجوم الإرهابي على متحف باردو، الذي قتل خلاله أكثر من 20 سائحًا أجنبيًا، شارك فيها زعماء عدة إلى جانب الرئيس التونسي الباجي قايد السبسي. خطر الإرهاب وفيما أكد مراقبون أن هذه السلسلة من الهجمات الإرهابية تعبّر عن تنامي خطر تنظيم الدولة المتطرّف وتمدّد أذرعه للضرب شرقًا وغربًا، أوضح آخرون أن هذه الجرائم ربما جاءت استجابة لكلمة المتحدّث باسم التنظيم أبو محمد العدناني الثلاثاء الماضي، والتي دعا فيها عناصر التنظيم في العالم إلى تصعيد اعتداءاتهم في شهر رمضان الجاري وتحويل شهر الصيام إلى "شهر وبال على الكافرين والشيعة والمرتدين من المسلمين". موقف قطر لم تتوانَ قطر عن إعلان تضامنها مع الدول التي تعرضت لهذه الأعمال الإجرامية وأعلنت في بيانات رسمية عن إدانتها واستنكارها الشديدين لهذه الجرائم التي استهدفت مسجد الإمام الصادق في منطقة الصوابر بدولة الكويت، وأدّت إلى سقوط 27 قتيلاً و227 مصابًا بين صفوف المصلين والهجوم الإرهابي الذي استهدف فندقًا في ولاية سوسة السياحية في الجمهورية التونسية وأوقع 37 قتيلاً إلى جانب عدد من الجرحى. وأيضًا الحادث الإرهابي في ليون جنوب شرق فرنسا، وأدّى إلى مقتل شخص وإصابة آخرين بجروح. ضرورة التكاتف أكدت قطر أن هذه الأعمال الإجرامية التي تهدف إلى زعزعة الأمن والاستقرار وترويع الآمنين وقتل الأبرياء، تتنافى مع كافة القيم والأخلاق والمبادئ الإنسانية والشرائع السماوية، مشدّدة على ضرورة التكاتف والتضامن من أجل نبذ العنف ورفض الإرهاب بكافة صوره وأشكاله مهما كانت دوافعه ومسبباته. تجربة تونس ويركز بعض المُراقبين على تونس باعتبارها مهد الثورات العربية ضدّ الأنظمة الديكتاتورية وكونها أمل المنطقة في نموذج ديمقراطي ناجح يُدحض الادعاءات الزائفة للأنظمة الشموليّة التي تتخذ من قضية الإرهاب ذريعة لطغيانها واستبدادها. تحديات أمنية وقال مراقبون إنه رغم تربّع تونس على عرش التجارب الناجحة في مسيرة الثورات العربية التي أطاحت بالأنظمة الاستبدادية وصولاً إلى تجربة ديمقراطية نزيهة، لعب فيها الإسلاميون الدور الأكبر بفطنتهم وحكمتهم، إلا أن الضربات الإرهابية التي طالتها الجمعة، كشفت عن تحديات أمنية واقتصادية كبيرة يواجهها أبناء الشعب التونسي. رهان داعش وقالت مهى يحيَ الباحثة بمركز كارنيجي إن تنظيم الدولة "داعش" راهن على الاستياء المتزايد في صفوف الشباب من العملية السياسية. فقد امتنع الشباب التونسيون إلى حدّ كبير عن المشاركة في الانتخابات الأخيرة. كما يجد هؤلاء الشباب أنفسهم غير جاهزين للتعامل مع الحريات السياسية الجديدة، بعد القمع الذي تعرّض إليه النقاش السياسي والديني في عهد الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي، ومنجذبين نحو قوى فاعلة تمنحهم صوتًا وتُقدِّم حلّاً. الشعور بالظلم ونوّهت يحي بأن المتطرّفين يستغلون أيضًا الشعور المتنامي بالظلم. إذ تُقوِّض إجراءاتُ المساءلة المخطئة وعدمُ القدرة على محاكمة المتّهمين بارتكاب انتهاكات لحقوق الإنسان وأعمال قتل، (كما وثّقت منظمة هيومن رايتس ووتش مؤخّرا)، دورَ الدولة باعتبارها حامية للحقوق الفردية والجماعية. كما يُقوَّض هذا الدور، التركيز على الحلّ الأمني باعتباره الردّ الأمثل على الأنشطة الإرهابية المحتملة. ويشمل ذلك حملة قمع ضد منظمات المجتمع المدني. وأضافت: في هذا السياق، من غير المستغرب رؤية هذا العدد الكبير من التونسيين الذين يتجاوبون مع دعوة تنظيم الدولة المتطرّف إلى الانضمام إليه. رؤية جديدة أكدت الباحثة بمركز كارنيجي أنه من أجل صون الانتقال السياسي في تونس، ينبغي على الحكومة - بدعم من المجتمع الدولي - بلورة رؤية جديدة للتنمية، والشروع بإستراتيجية ترمي إلى تحقيق الإدماج السياسي والعدالة الاجتماعية، وفي الوقت نفسه، معالجة التظلّمات الاجتماعية - الاقتصادية والتهديدات الكامنة للديمقراطية. تحفيز الحوار وأضافت: هذ الرؤية أوسع بكثير من الإصلاحات الجزئية المطروحة حاليًا، مثل رفع الأجور في القطاع العام. إذ تتطلّب العدالة الاجتماعية التزامًا بإصلاح السياسات الاقتصادية بشكلٍ يعزّز النمو ويحقّق قدرًا أكبر من العدالة في آن. ويقتضي ذلك أيضًا تحفيز الحوار والمشاركة المجتمعية في صياغة سياسات جديدة، وتحسين نوعية التعليم، وضمان استقلال القضاء. نظام تعدّدي وفى النهاية أكدت الباحثة أنه لا يمكن الحفاظ على الديمقراطية في تونس ووضع حدٍّ لانجراف الشباب الساخطين إلى المجموعات المتطرّفة، إذا لم يعزّز قادة تونس التزامهم ببناء نظام سياسي تعدّدي وشامل للجميع، وإذا لم يبدأوا في تنفيذ التغييرات التي طالب بها المحتجّون في العام 2011