يقول أحد المؤرخين عن سوق عكاظ: "هو المجمع اللغوي والجامعة العربية الأولى، كان سوقا للتجارة ومنبرا للخطابة ومقاما للشعر، كان مؤتمرا للاجتماع والتفاهم ومجالا للمصالحة ومركزا للهلال الأحمر لمفاداة الأسرى والبحث عن المفقودين، وكأن الله سبحانه وتعالى ألهم العرب بذلك التجمع إرهاصا لبعث الرسالة المحمدية". عكاظ سفر التاريخ وأيقونة العصور وشعرية الحضور المتعالي، بل هو أول رابطة ومؤسسة ردمت الهوة بين المثقف والجمهور من خلال قيم معيارية تواصلية، واستراتيجيات مضيئة في ذاكرة التاريخ وتجليات المعرفة. عاد عكاظ ليبوح بأسراره ويتشابك ويتماهى مع زمنه وحاضره، ولينعتق من رماد الدهور وسجن النسيان، هو يكبر كل عام، ولذا أتمنى أن يبدأ المهرجان في دورته المقبلة بعرض سينمائي قصير، يحدد الزمان والمكان والدور الثقافي والفكري والتجاري لهذا السوق، برؤية إخراجية مميزة ونص رشيق ومقتصد، وصوت إذاعي مهيب يضيف بعدا جماليا للصورة على الشاشة، وليكن الفيلم عصفا ذهنيا وإحياء للذاكرة التاريخية ومادة لوسائل الإعلام. أتمنى ألا يكرس العرض المسرحي كل عام لشاعر من شعراء المعلقات فقط، بل ينهض السوق بتقديم نماذج وشخوص أخرى، وعلى سبيل المثال: أشهر الخطباء والحكماء والقضاة من العرب الذين حضروا السوق والذين لم يحضروا، أتمنى أن تقام على هامش المهرجان "ندوة كبرى" تمس واقعنا المعاصر أو تناقش ما يتناغم وينسجم مع رسالة عكاظ قديما كدوره وإسهامه في توحيد لهجات العرب باختلاط كلام البدو والحضر كما تقول كتب التاريخ، أتمنى دخول سوق عكاظ في المناهج المدرسية والتربية الوطنية كموضوع وطني، وكما يقول المؤرخ محمد أحمد العقيلي "لو لم يكن لعكاظ إلا حضور رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل الرسالة مناضلا وبعد الرسالة داعيا ومبشرا ونذيرا، لكان في ذلك ما يكفي لإحياء سوق عكاظ وتحديد مواسمه التجارية والتاريخية في هذا العصر، وما إحياء سوق عكاظ إلا برهان ساطع ودليل قاطع على قوة ذاكرة أمتنا وغايتنا بإحياء الأمجاد وربط الحاضر المشرق بالماضي المجيد، فالدين الإسلامي حرر العقل ونمى الفكر، وها نحن في عهد وثبتنا الحاضرة نعيدها صورة وعملا". أتمنى اختيار شخصية وتكريمها ممن أسهموا في تقريب التراث وخدمته بمنهجية علمية أسهمت في بناء شخصية الإنسان السوي والإيجابي، أتمنى أن يطرح العمل المسرحي كمسابقة لاختيار أفضل نص بدلا من تكليف كاتب بذاته. كنت سعيدا بحضور الأندية الأدبية في المشهد العكاظي أخيرا، وقد طالبت بذلك قبل سنوات في هذه الزاوية، واليوم لم يعد هناك عذر للأندية أن تسهم ثقافيا وماديا في فعاليات السوق، بعد أن أصبح كل ناد يملك ميزانية تساوي ميزانية دولة أفريقية وبالذات "بوركينا فاسو".