مَثلي المتكرّر والمستهلك: إنك لن تطير بطائرة بماكينة سيارة قديمة متهالكة، وهذا يعني أنه من الصعب أن تكون قرارات التنمية والتطوير أكبر من الإدارتين الوسطى والسفلى؛ لأن عجلة التطور لن تتحرّك من مكانها، أو تتحرّك ببط غير مرضٍ، فنشتكي من تعثر المشاريع وضيق الوقت وهي حجج العجز، والمسألة قدرة على الحركة وقرار شجاع. جاء شاب مبتعث يحمل أعلى الشهادات بتفوق، وأخذ وظيفة مؤقتة في مؤسسة تطوير واختراع، فهذا مكان أمثاله من المتفوقين، بدا أن كل شيء على ما يرام، وكان سعيداً بكل ما حوله من رفاه المكتب والخدمات التي لم يعرفها وهو طالب دكتوراه، فكتب مشاريعه وقدّمها للإدارة وبقي ينتظر الموافقات؛ فهي مشاريع تغيّر البلد بأكمله وتجعله بلداً متحضراً. عندما ألح على المدير بالطلب دعاه إلى مكتبه، وقال له: إنك لا تفهم يا بني .. نحن لا نطوّر، بل نعمل؛ فسأله الشاب لماذا لا نطوّر ونحن في حدود الميزانيات، ومتطلبات العمل؟ قال المدير: التطوير سيقلق آخرين، فدعك من هذا وقم بعملك كأي موظف، وإن كان لديك ما تفعله خارج عملك فاذهب للقطاع الخاص عصراً واعرض عليهم ما عندك. خلال أسبوعين قدّم الشاب ورقة بإجازة ستة أشهر وبعدها كان الشاب يتسنم قطاعاً في شركة من شركات القطاع الخاص. باختصار القطاع الحكومي التنفيذي في وسط وأسفل الهرم الإداري يعوّق مبادرات التطوير؛ لأن مَن يعتلون الإدارة يرون تسيير العمل بهدوء حتى لا تتأثر كراسيهم، ومن هنا يمكن القول إنهم يخافون القادم المتفوق الذي قد يؤثر في وجودهم أو يتقدمهم. لا حل لمثل هذه القضية إلا بمشروع وطني لتجديد دماء الإدارة، كما فعلت شركات حكومية تحوّلت إلى القطاع الخاص وسعت للربحية، حيث أقالت بشيك ذهبي موظفيها كبار السن ومَن تعوّدوا الروتين، لا التطوير وأبدلتهم بمبادرين وأصحاب مشاريع. الإدارة القديمة هي سبب تعثر المشاريع ورفض التطوير وما لم يبدأ التغيير في وسط الهرم الإداري الضعيف فلن نتجاوز مسافة كبيرة مهما كانت الميزانيات وقرارات التطوير. الإدارة عصب العمل، ودون إدارة قادرة على اتخاذ القرارات، وقادرة على تسيير الأعمال المنوطة بها بالسرعة الكافية، لن يكون هناك تطور في العمل والإنجاز، فالمال لا يعمل وهو مكدس بالصناديق، ولا البشر يتحركون دون خطط واضحة يتحركون بها وبالسرعة الكافية.