الخليج على التأهب لعودة خصمها الإقليمي الرئيس على الساحة من جديد. مثار القلق الأكبر هو ما تعتبره دول الخليج توسع إيران في المنطقة والذي ترى أن من ظواهره دعم طهران للرئيس بشار الأسد في سوريا و«حزب الله» الشيعي في لبنان والفصائل الشيعية في العراق وجماعة الحوثي في اليمن. وباتت تصرفات دول الخليج في الشهور الأخيرة - من ضربات جوية في اليمن إلى دعم مقاتلي المعارضة السورية وانتهاج دبلوماسية أنشط - نابعة من إحساس بأن إيران على أعتاب عودة. وتشعر دول الخليج بالقلق أيضاً من أن يكون سعي الرئيس الأمريكي باراك أوباما الحثيث لإبرام اتفاق نووي مع إيران مقابل تخفيف العقوبات عنها يحمل في طياته دلالة على أن أقوى حلفائها قد لا يساعد من الآن فصاعدا في كبح جماح طهران. وقال مصطفى العاني وهو محلل أمني تربطه صلات وثيقة بوزارة الداخلية السعودية إن دول الخليج ترى أن «الاتفاق أمر محسوم، قد يتأخر أسبوعاً أو اثنين أو حتى شهراً، لكن كل من في المنطقة يؤهب نفسه لحقيقة أن الاتفاق أمر محتوم». وتساور دول الخليج الشكوك بشأن إيران. وما أعلنته البحرين الأسبوع الماضي عن كشف مؤامرة قالت إن الحرس الثوري الإيراني خطط لها ليس سوى مثال آخر على ما تعتبره دول الخليج جهوداً مستمرة من جانب طهران لتقويض أمنها. وتستأنف إيران والقوى العالمية الست المحادثات الأسبوع الحالي بهدف التوصل لاتفاق نهائي في موعد غايته 30 يونيو تلتزم طهران بمقتضاه بمزيد من الشفافية مقابل تخفيف العقوبات المفروضة عليها وذلك بعد أن توصل الجانبان لاتفاق إطار في أبريل الماضي. وتشعر الرياض وجيرانها بالقلق أيضاً من تأثير ذلك على العلاقات مع واشنطن. وقال سامي الفرج المستشار الأمني الكويتي لدول مجلس التعاون الخليجي «سيعلق في الأذهان أن أوباما هو الرئيس الأمريكي الذي أعاد العلاقات مع إيران، ولكن سيعلق في الأذهان أيضاً أنه الرئيس الأمريكي الذي خسر حلفاءه التقليديين في المنطقة». ويزيد حديث الدول الخليجية عن فكرة بناء تحالفات بديلة تحل محل الدور الأمريكي المتضائل في المنطقة وجسدت ذلك بتشكيل تحالف في اليمن وجددت التعاون مع تركيا فيما يتعلق بسوريا. وقال الفرج «كنا نبحث عن خيارات أخرى سواء كانت روسيا أو فرنسا أو قوى إقليمية مثل تركيا وباكستان لتمكيننا من استعادة توازن القوى». وأضاف أن زيارة ولي ولي العهد السعودي ووزير الدفاع الأمير محمد بن سلمان لموسكو وباريس جاءت في هذا الإطار. وكثيراً ما تشيد واشنطن علناً باتخاذ السعودية موقفاً أقوى على الساحة الإقليمية واستعدادها لتشكيل تحالفات جديدة معتبرة ذلك دليلاً على أن المملكة تتحمل مزيداً من العبء الذي تتقاسمه الدولتان. وقد دعمت أساساً تدخل الرياض العسكري في اليمن إلا أنه لم يجر إخطارها بالأمر إلا قبل الحملة ببضع ساعات مما يدل على انحسار نفوذها. وقال العاني «العلاقات بين السعودية وأمريكا الآن أشبه بالدفع عند التسليم، لا شيئ إذا لم يكن هناك شيئ، إذا أردتموني أن أدعم الاتفاق النووي فعليكم أن تدعموني في اليمن وفي أماكن أخرى». ومن بين الاتفاقات التي وقعها الأمير محمد الأسبوع الماضي في موسكو اتفاق تعاون نووي يجيء في إطار اتفاقات أبرمتها الرياض مع قوى نووية إذ تعد خططا لبناء 16 مفاعلاً بغرض توليد الكهرباء. وأمس الأول، أعلن وزير الخارجية السعودي عادل الجبير أنه «سيتم توقيع 10 اتفاقيات بين السعودية وفرنسا بقيمة 12 مليار دولار»، مضيفاً أن «توجيهاً من خادم الحرمين الشريفين العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود والرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند على توثيق العلاقات، ووضعت آلية للتنسيق والتشاور بإشراف من ولي ولي العهد السعودي ووزير الدفاع الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز الذي يتابع عمل اللجنة المشتركة الفرنسية السعودية وكان حريصاً على تحقيق إنجازات». وقال وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس «قدمنا دراسة لبناء مفاعلين نوويين في السعودية وسيتم بيع السعودية طائرات تجارية وأخرى عسكرية». وأعلنت وزارة الخارجية الفرنسية أن شركة «إيرباص» ستبيع 23 مروحية لوزارة الداخلية السعودية مقابل 500 مليون يورو (560 مليون دولار). كما ستطلق الرياض دراسة جدوى حول بناء مفاعلين نوويين فرنسيين في المملكة. والتقى ولي ولي العهد السعودي، في بداية زيارته الرسمية إلى فرنسا، الرئيس فرانسوا هولاند. وسبق لقاء الرئيس هولاند محادثات أجراها الأمير محمد بن سلمان مع وزير الخارجية الفرنسي. وقالت السعودية مراراً إن ما ستحصل عليه إيران في أي اتفاق يجري التوصل إليه سيكون تماماً ما ستستخدمه في برنامجها النووي وألمحت إلى أنه إذا صنعت طهران قنبلة ذرية فلن يمضي وقت طويل قبل أن تحذو حذوها. ولم يكن نهج السعودية وحلفائها الجديد تجاه خصومهم بالمنطقة وإزاء واشنطن في الأشهر الأخيرة مجرد نهج ظاهري وإن كان أمامه شوط ليبرهن على قدرته على التأثير.