«يعني لازم اتصل بالموبايل علشان تردي؟» أليس هذا سؤالاً غريبًا بحد ذاته؟ هو أقل غرابة لو أن المتكلم الغاضب حاول يتصل بمن يكلمها على الهاتف الأرضي ولم ترد. لكن بما أنها ليست في البيت، ولا على مكتبها في العمل فإن السؤال غريب. غريب في سببه وغريب أنه كُتب هكذا وغريب أن أحدًا ممن وراء الكاميرا، أو حتى أمامها، فكّر واعترض. حتى ولو كان هناك لدى المتكلم سبب ما لثورته فهل هي مشكلة كبيرة لو اتصل بمن يريد على الهاتف الجوال؟ ربما هي تفصيلة لكن كل الأعمال هي جمع تفاصيل كثير منها مقبول وبعضها - كهذه التفصيلة - شاذ. العبارة ترد في الحلقة السابعة من مسلسل «مريم» (أبوظبي) وهو مسلسل مصري الإنتاج من إخراج محمد علي وكتابة أيمن سلامة وبطولة اللبنانية هيفاء وهبي. أمضيت الحلقة الأولى من هذا المسلسل وأنا أحاول أن أتجاوز الموسيقى المصاحبة لكي أسمع الحوار. مثل معظم المسلسلات في معظم السنوات تهجم الموسيقى عليك كما لو أن المسلسل أنتج من أجلها. لا يهم إذا كانت معزوفة بآلة واحدة أو هي من عزف فرقة كاملة. عليها، في معظم الحالات، أن لا تنتمي إلا لمفهوم متوارث يحدد نوعيتها ارتباطًا بنوعية المشهد. هذا هو الشرط الذي يقف في عناد ضد شرط الإبداع. لماذا؟ لأن المبدع الموسيقي. المؤلّف الموهوب فعلاً لن يلتزم بالحالة الجوية للمشاعر ويبني موسيقاه حسب تلك الحالة على نحو مباشر. إذا كان المشهد وداعًا فإن الفنان الفعلي سيلجأ إلى لحن مختلف عن ذلك الذي يؤديه الناي الحزين الذي تخاله سوف يظهر بعد قليل على هيئة طفل يبكي. وإذا كان المشهد واقعًا في حارة فإن الآلة هي العود.. كفانا. أليس هناك حلول أخرى؟ ثم هناك مشكلة الكيفية التي سيتم فيها استخدام هذه الموسيقى. يرتفع صوتها في «مريم» بحيث لا تستطيع أن تسمع هيفاء وهبي وهي تهمس لابنتها. أو تخرج إليك من دون مناسبة كما لو كانت زائرة وصلت متأخرة ومن دون دعوة. هاتان المشكلتان (خصوصًا الأولى) مسحوبتان على معظم المسلسلات خليجية كانت أو مصرية أو سوريا أو لبنانية. لا تدع هذه المشكلة تشغلك. «مريم» مسلسل جيّد كعمل درامي يطرح مشاكل اجتماعية عاطفية ونفسية مع جريمة قتل (واحدة حتى الآن) عندما يسقط شاب من عل بعدما داهمه زوج غيور (خالد النبوي) جاء يبحث عن زوجته التي يشك في أخلاقها. يتميّز «مريم» أيضًا بأنه من بطولة هيفاء وهبي. وهنا الكثير مما يمكن قوله. تم الاحتفاء بمحاولات هيفاء وهبي دخول ميدان التمثيل سابقًا كونها نجمة غناء ولها جمهور كبير وتعرف مقدار جمالها وجاذبيتها الأنوثية و- الأهم - لا تحاول أن تقلل من ذلك. اختارت أن يكون «حلاوة روح» منصّة إطلاقها السينمائي الأهم (لديها تجربتان سينمائيّتان سابقتان لهذا الفيلم) ويأتي «مريم» ليكون منصّتها الجديدة تلفزيونيا (بعد عدّة أعمال سابقة من بينها «كلام على ورق» في العام الماضي). بالحكم على اختياراتها من الأدوار التلفزيونية في هذين العملين يستشف المرء رغبتها في دخول عوالم صعبة. لذلك على الكتابة أن تكون جاهزة لهذه الغاية وإلا لتكرر ما حدث معها في «كلام على ورق» عندما بدا الأمر كله مفتعلاً. هي هنا في دورين معًا: مريم وملك. والطريقة السريعة للتفريق بينهما هو أن الأولى لا تتكلم والثانية تتكلم وإن كانت تكتفي بالقليل الهادف. تستطيع أن تقول إنها أشبه بمن عاش طويلاً في الخارج وعاد بطباع مختلف لا يلتقي كثيرًا مع سواه. إنها طريقة سريعة لكن ليست الوحيدة: مريم الخرساء (ولو مؤقتًا نتيجة صدمة ما) ترتدي ملابس أكثر احتشامًا، بينما تصر ملك على ارتداء ملابس أنثوية خصوصًا تلك التي تظهر محاسن صدرها. هذا لا بد أنه اختيار هيفاء لأنها تمارس هيفاء وهبي في الدور الذي تقوم به. ليس أن ملك، لو كانت حقيقة، لا يمكن أن ترتدي ملابس كهذه، لكن الشكل عندنا عادة ما يرتبط بالقرار الفردي للممثل. بذلك هيفاء وهبي هي الشخصية وشخصية ملك هي الحدث. المركبة التي تقودها. بذلك، تحاول هيفاء أن تأتي بنفسها إلى الدور وليس إلى القيام بتقليد شخصيات أخرى تمثل هذه الأوضاع. بكلمات أخرى، لو أن شخصية ملك (الناطقة) لعبتها ممثلة أخرى لاندمجت في أسلوب تقليدي أكثر لأداء الدور إلا إذا حسبت له حسابًا مختلفًا كما تفعل هيفاء وهبي. الأحداث هنا تتيح ألوانًا من المشاهد المندمجة في هذا السياق العاطفي - النفسي. مريم لديها إرث كبير من أبيها يحاول شقيقه (حسن حسني) استرداده منها. خلال ذلك هناك اكتشاف نديم (الجيد خالد النبوي) لخيانة زوجته (أمل رزق) ما أدّى لحادث سقوط العشيق من الشرفة (يبدو أن الجدار منخفض جدًا) ومقتله. وهناك محاولات ذلك العم الذي يطمع بالثروة والشركة التي تقوم ملك بإدارتها وما يبدو مستقبل علاقة لها مع نديم في الحلقات المقبلة. ووسط كل ذلك طفلتها المصابة بسرطان مبكر التي تبدو متعلقة بمريم أكثر من أمّها. الأمل ألا يتحوّل كل شيء إلى شريط حياة مليء بالمأساة.