مضى أكثر من ثمانية أشهر على تكليف الرئيس تمام سلام تشكيل الحكومة اللبنانية العتيدة، إلا أن المؤشرات داخل لبنان وخارجه لا تشجّع على التفاؤل بأن تبصر التشكيلة الوزارية المرجوّة النور. سلام نفسه قال خلال الأسبوع الفائت إنه لو كان تخليه عن التشكيل يحل المشكلة لكان اعتذر، لكن تخليه لن يغير في الأمر شيئاً. وهذا الكلام صحيح تماماً، ذلك أنه عندما جرى تكليف سلام يوم 6 أبريل (نيسان) الماضي، جاءت تلك الخطوة استناداً إلى شبه إجماع حصل عليه الرئيس المكلف، إذ فاز بموافقة 124 نائباً من أصل 128 نائباً هو إجمالي عدد نواب البرلمان. يومذاك، وجد نجيب ميقاتي رئيس الحكومة المستقيلة، أنه بات في طريق مسدود نتيجة تداعيات الأزمة السورية على لبنان. ميقاتي، وهو سنّي من طرابلس ما كان بمقدوره تقبّل حالة الاستقطاب الحاد داخل لبنان بعد التدخل القتالي المباشر لـ»حزب الله» في الحرب السورية، ولا تغطية ممارسات «الحزب» داخل لبنان ومنها تدخله حتى في الوضع الأمني داخل طرابلس ذات الغالبية السنيّة الكبيرة. أما «حزب الله» فكان على استعداد للتضحية بحكومة ميقاتي، التي كان قد جاء بها أصلاً بعد إسقاطه حكومة سعد الحريري يوم 12 يناير (كانون الثاني) 2001 تحت ذريعة ملاحقة الشهود بالزور في جريمة اغتيال رفيق الحريري، وجاء إسقاط حكومة الحريري عبر استقالة وزراء «الحزب» وحلفائه في انتهاك مباشر لروح ذلك الاتفاق. بالنسبة لـ»الحزب» كانت أولوياته والتزاماته الإقليمية أهم بكثير من أي حكومة لبنانية، ومشاركته في الدفاع عن النظام السوري كانت وما زالت مظهراً أساسياً من مظاهر الاستراتيجية الإقليمية التي هو جزء منها. واليوم، يلاحظ أن الوضعين السوري واللبناني، وفي الإطار الأوسع، وضع منطقة الشرق الأوسط ككل، واقع سلبي يتحكمّ في حالة الشلل السياسي في لبنان. لقد أتاح الانفتاح الأميركي على إيران أمام «حزب الله» فرصة استعراض فائض القوة الذي يتمتّع به لبنانياً، تماماً كما سمح الموقف الأميركي المكتفي باختصار الأزمة السورية بنزع سلاح دمشق الكيماوي الفرصة لنظام بشار الأسد بالتصعيد العسكري في محيط دمشق ومناطق عدة في حلب ودرعا وريف حمص. ثم أن نُذُر اندلاع «معركة القلمون» في إشارة إلى المنطقة الجبلية السورية الممتدة على حدود لبنان الشمالية الشرقية، وتّرت حتى الآن بما فيه الكفاية التأزّم الداخلي اللبناني، في اعقاب تفجيرات ضاحية بيروت الجنوبية ومسجدي طرابلس. وهنا ينبغي التذكير القضاء اللبناني اتهم بناء على أدلة قوية، جهات محسوبة على سوريا بالتورّط في تفجيري طرابلس. لبنان، بهشاشة تركيبته السكانية، والتصاقه الجغرافي والاجتماعي والاقتصادي بسوريا، يمرّ اليوم بإحدى أخطر المراحل في تاريخه. وهذا ما يعكسه عجز القيادات اللبنانية، أولاً عن الخروج بحد مقبول من التفاهم الوطني يتيح الاتفاق على حكومة جديدة، وثانياً «النأي بالنفس» – قولاً وفعلاً - عن الأزمة السورية وتداعياتها على ساحة لبنانية مشرذمة تدفع، أكثر من أي ساحة عربية أخرى، فاتورة الاستقطاب الطائفي الذي فرضه الطموح الإيراني الإقليمي.