×
محافظة المنطقة الشرقية

أثقال الخويلدية تتوشح بالذهب العربي

صورة الخبر

لم يكن عبثاً عندماً عنون الكاتب الصحافي الزميل عبدالله ناصر العتيبي ذات كتابة مقالة له بـ«نحتاج إلى أكثر من براق واحد»، في إشارة إلى ما قام ويقوم به الملحق الثقافي ناصر البراق، الذي بدأ عمله ملحقاً في السودان ثم المغرب حالياً، من جهود في تفعيل ثقافة المملكة والعمل على انفتاحها على الآخر العربي، وكما فتح نافذة لهذا الآخر على ثقافة المملكة. استطاع البراق - بحسب العتيبي - وكل المتابعين للجهود التي لا يمكن التعتيم عليها خلال فترة قصيرة من تعيينه، «تحريك الراكد في جسر العلاقة الثقافية السعودية - السودانية. أظن - وليس بعض الظن إثماً - أننا لو استطعنا الخروج بأكثر من «براق» في ملحقياتنا المهمة لتغيرت موقتاً صورة السعوديين في الخارج باتجاه الإيجابية بنسبة لا تقل عن 50 في المئة». وكان الدكتور عثمان الصيني في سياق تطرقه - من خلال مقالة في صحيفة «الرياض» - للعمل الجاد والمثابر الذي كان يقوم به الملحق الثقافي السابق في لندن عبدالله الناصر، توقف عند الجهد المميز واللافت الذي يصنعه البراق في المغرب. طالما تعود المثقفون السعوديون من الملحقيات الثقافية في معظم البلدان العربية والأوروبية وفي العالم قاطبة، على عدم الاهتمام بالجانب الثقافي، وقلة الحرص على ابتكار حوار ثقافي فكري أدبي بين المملكة وتلك البلدان التي تقبع فيها تلك الملحقيات. وأصبحت أجنحة المملكة في معارض الكتب الدولية مثار انتقاد واستياء كبيرين، فهي لا تبرز حقيقة التنوع الثقافي والفكري في السعودية، وتكتفي بعرض ما هو شكلي وسطحي. في خضم هذا التكاسل من الملحقيات الثقافية وعلى رغم الإمكانات الكبيرة المتاحة، بدا جهد الملحق الثقافي في المغرب لافتاً وبارزاً ويستحق الإشادة والتقدير، ليس من المثقفين فقط، إنما من الجهات الرسمية المعنية، لترسخه نموذجاً للعمل الجاد في صياغة صورة ثقافية جديدة ومختلفة للمملكة في الخارج. تنشر «الحياة» هنا شهادات لعدد من الكتاب.   يحيى امقاسم: تأسيس تجربة فريدة دأبت وزارة التعليم العالي في الأعوام القليلة الماضية على استقطاب عدد من المثقفين والإعلاميين لما لهم من دور بارز في المشهد السعودي والعربي، انطلاقاً من توجهاتها الحديثة في نقل المخزون الثقافي والأدبي، من خلال معارض الكتاب الدولية في الخارج أو عبر أنشطة الملحقيات الثقافية في العالم وعدم اقتصار دورها على العملية الأكاديمية في التعليم العالي، وكذا الإشراف على المبتعثين والدارسين على حسابهم الخاص في الخارج. وشهدنا في الفترات الماضية نقلات جديرة بالتقدير في كثير من الملحقيات، سواء من حيث مشاركة المثقف السعودي في المحافل المختلفة خارج المملكة برعاية وزارة التعليم العالي ممثلة بالملحقيات أم من خلال الإنتاج الأدبي والفكري في معارض الكتاب. ومن تلك الأسماء التي أوجدت بالفعل فرقاً كبيراً في العمل الثقافي الملحق الثقافي السعودي في المغرب ناصر البراق، إذ أتى من حمولة معرفية وإعلامية جعلت من عمل الملحقية نشاطاً مستمراً لا عملاً روتينياً، وانتقلت الملحقية إلى الواجهة بفضل العمل المؤسسي والحراك الفاعل لهذا الإعلامي الذي تُؤكد جهوده أهمية وجود المثقف والمبدع في منظومة عمل كالملحقيات الثقافية. ووقف الكثير من المثقفين السعوديين على النجاح الكبير للملحقية في المغرب عندما تمكنت من أن تكون المملكة ضيف شرف في معرض الكتاب الدولي في المغرب، وحظيت تلك المشاركة بحضور كبير واهتمام بالغ بالنتاج السعودي، كما تعددت مشاركة المثقفين السعوديين الذين نظمت الملحقية لقاءاتهم بالمثقفين المغاربة وغيرهم في صالونها الثقافي، وكل ذلك يأتي من وعي وإدراك لدى البراق انطلاقاً من مسؤوليته باعتباره إعلامياً وأمانته تجاه رسالته كملحق ثقافي لم يتوقف عند تجارب سابقة، بل أسس تجربة فريدة في المغرب، وهذه شهادة لا تفي كثيراً في حق الملحق البراق لقاء ما لمسناه من تطور كبير وشامل في مفهوم العمل الثقافي، ولعنا في شهادات أخرى نقف على تجارب أخرى تستحق الثناء والتقدير.   علي مكي: «البراق» شاب سعودي اعتنق «الديبلوماسية» بأعقد «مذاهبها» فلمع برقه عُرف عن العرب منذ عقود أنهم إذا عزموا على تكليف أحدهم بمهمة «انتحارية» أسندوا إليه واحداً من ملفين لا ثالث لهما: القضية الفلسطينية أو توطيد العلاقة بين بني يعرب، سواء أكانوا «بعاد ولّا قريبين» كما غنى فنان العرب محمد عبده. فإحداث خرق إيجابي في العلاقات بين دولة عربية نفطية مثل السعودية وأخرى أوروبية أو آسيوية أمر ليس معجزاً وإن كان مرهقاً بعض الشيء، لكنه يزداد صعوبة عندما يتعلق الأمر بدولة مثل السودان التي استعصت حتى على أهلها فاستسلم بعضهم للقدر. حين قُدر للشاب ناصر بن نافع البراق اعتناق مذهب «الديبلوماسية» لم يدخلها من رحم السياسة أو المال أو الرياضة أو نحوها من «المفاتن» التي تغني من جوع الأشقاء وتغوي الأباعد أحياناً، وإنما أتاها على ظهر فرس تصهل ثقافة وأدباً. كانت الخرطوم التي صارت مهمته الأولى «امتحاناً» قُدمت أسئلته على ورق من شوك، وغدت الرباط من بعده «معركة بدر الفتى» الذي كُلف بإصلاح ما أفسده الأولون بين هنا وهناك! السودان، ذلك البلد الشاسع والغني بثرواته الطبيعية وبنيله العظيم، يعيش نزاعاً كبيراً بين أبناء بلده قبائلاً وأحزاباً. صراع على السلطة وعلى «المعاشب» يصعب معه لأية هيئة حكومية كانت أو أهلية أن تغامر بأي نوع من الاستثمار، سواء كبر أم صغر بمختلف الأوجه تجارياً أو علمياً أو ثقافياً أو سياسياً، فالبلد مقطع الأوصال بين شمال وجنوب، وصنّاع السياسة يخطون على صفحته يوماً تلو الآخر رموزاً وأرقاماً يعرف تفسير بعضها فقط. وعندما دخل البراق الخرطوم قال عنه بعض السودانيين: «كأنما جاء بعقلية فلاح مُنح أرضاً يحييها باجتهاد وجد متواصلين، فهي ملك له بعد أن يبث فيها الخضرة ويزهر فيها بألوان زاهية مباهج الفكر والثقافة»، فكان نِعم رسل الصحراء إلى الحقول، إذ قرأ الواقع المحيط به وخبِره على الطريقة العربية الأصيلة، وبفراسة المؤمن فهم الشاب القادم حديثاً من أكاديمية بريطانيا العظمى مهمته وجمّلها بما أوصل الرسالة واضحة تنال ثناء من قرأها. وبمهنية صحافي يتقلد رتبة ديبلوماسي، باحثاً عن موضع قدم لصناعة عالم متفرد يفوح منه ريح الأدب والفكر، صنع البراق ضجة فكرية وثقافية في الخرطوم بدءاً من مقابلة فمحاضرة وأمسية ثم معرضاً ثقافياً، وهكذا دواليك، حتى صارت الملحقية الثقافية السعودية في الخرطوم مصدر إشعاع تضاهي صالونات الثقافة العربية الشهيرة في القاهرة وبيروت ودمشق في أيام عطاءاتها الثقافية المتجددة، حتى بالغ ابن جلدته الكاتب عبدالله ناصر العتيبي، معلناً في مقالة له في صحيفة محلية طلب استنساخ أكثر من «براق». وأمام ذلك كله، لم يكد يمضي على هذا الشاب في السودان أكثر من 14 شهراً حتى تنبه المسؤولون في وزارة التعليم العالي إلى أن هكذا نشاط وعزيمة لا بد من استثمارهما مع مكان أكثر خصوبة وتعطشاً للعمل الثقافي. وتم تعيينه في مغرب الدول العربية التي تقع على المحيط كملحق ثقافي لدى المغرب، فانطلق كالسهم في كل الاتجاهات يعارك الزمن، يفاوض ويناقش في الأنشطة والمعتركات الثقافية، ويشرف بنفسه على صغائر أمور طلاب المملكة في الجامعات المغربية، إذ يصفه عدد من موظفي الملحقية بأنه لا يهدأ له بال، نهاره كليله، ومقعد سيارته مكتبه، ومكتبه أريكته وقاعة اجتماعاته غرفة نومه.   عبدالله السميح: الفرق بين الموظف البيروقراطي والمثقف مع التقدير الكامل لكل من يعملون في الملحقيات الثقافية في سفارات خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز حفظه الله، بصفة ملحق ثقافي أو من الطواقم التي تعمل مع هذا الملحق أو ذاك والذين لا يألون جهداً في كل ما من شأنه تعزيز الصورة الذهنية التي تليق بمكانة المملكة التاريخية والدولية ومتابعة المبتعثين من أبناء الوطن وتقديم كل الدعم والتسهيلات التي تسهم في بنائهم معرفياً وأكاديمياً ليعودوا مسلحين بالعلم والمهارات اللازمة التي تمكنهم من أداء أدوارهم لتأدية حق الوطن والإسهام في بنائه ومراكمة منجزاته الحضارية، إلا أن ناصر البراق استطاع أن يحقق المعادلة الصعبة التي تجسد الفارق بين عمل الموظف البيروقراطي وعمل المثقف، ذلك أن البراق يمتلك رؤية وطنية تنقص الكثيرين مع الأسف، هذه الرؤية لم تأتِ له بمحض الصدفة ولكنها نتيجة مراكمة معرفية بوصفه مثقفاً ألمّ بتفاصيل المشهد الثقافي وشارك فيه بفاعلية، ثم بوصفه ثانياً إعلامياً وأكاديمياً متخصصاً وممارساً للعمل الإعلامي والصحفي ومدركاً لأبعاد الصورة الذهنية عن المملكة عند الآخر والحيثيات والمتطلبات التي يجب أن تكون عليها تلك الصورة، يضاف إلى هذا أن البراق يمتلك مهارات اتصالية مكنته من أداء عمله في شكلٍ مميز وجعلته صديقاً لكل المثقفين، بعيداً عن شللية أولئك الذين اتخذوا مناصبهم ذريعة للوجاهة الاجتماعية والحضور الفج. تلك المميزات جعلت من البراق عراباً للاتصال الثقافي، وهو مصطلح يغيب عن البيروقراطيين، ويشتغل على إبراز ثقافة في مواجهة أخرى، ولذا فإن البراق يجسد الفرق بين الموظف البيروقراطي والمثقف في ممارسة العمل الثقافي.