المنعطفات التي شهدها تاريخ الاقتصاد العالمي نادرة وتفصل بينها مسافات زمنية شاسعة. وقد يفلح رجل الدولة في إعادة وضع اقتصاد بلاده المتعثر على مسار الانتعاش أما أن يغير مسار البوصلة كلياً فذلك أمر أقرب إلى المستحيل. وقد لا تتكرر تجارب تحقيق إنجاز اقتصادي بهذا الحجم الاستثنائي إلا كل خمسين عاما. ولدينا مثالان فقط في التاريخ المعاصر هما الرئيس الأمريكي فرانكلين روزفلت الذي أنقذ اقتصاد بلاده بعد أزمة الركود العظيم في الثلاثينات من القرن الماضي ومارغريت تاتشر رئيسة وزراء بريطانيا التي تمكنت من كبح جماح التضخم المنفلت في الثمانينات. وهناك فرصة أمام رئيس الوزراء الياباني شينزو آبي للانضمام لهذا النادي.فقد كان تجاوب أسواق الأسهم مع تعيينه في منصبه لافتا جدا حيث حلقت الأسهم تفاؤلا ببرنامجه أبينوميكس الذي يهدف إلى تخليص اليابان من الانكماش عبر ضخ المزيد من الأموال في الاقتصاد. ومنذ عام 2012 تضاعفت قيمة مؤشر نيكي وانخفضت قيمة الين مقابل الدولار بنسبة تزيد على الثلث. ولا يزال من السابق لأوانه الحكم على تجربة اليابان حيث ان روزفلت ومارغريت تاتشر لم تحرز نتائج مساعيهما النجاح إلا بعد مرور عدة سنوات. أضف إلى ذلك أن نظرية ابينوميكس ترتكز على إزالة عقلية انكماش مضى عليها عشرون عاماً. ويراهن خبراء الاقتصاد على توقعات بما قد يحدث في المستقبل وهو ما حصل في اليابان حيث راهن المستهلكون والشركات في قراراتهم على برنامج ضخ تريليونات الينات، ما يعني ارتفاع معدلات التضخم إلى 2% وتأكيد الدور الايجابي لبرنامج التيسير الكمي. ولا شك أن انفاق العملة التي تتراجع قيمتها يوميا يصبح أكثر سهولة. لكن من سوء الحظ أن اليابان شهدت تكرار الانتكاسة أكثر من مرة. فمنذ انفجار فقاعة القطاع المالي عام 1989، تذهب أحلامها أدراج الرياح كلما اقتربت من حافة النمو المستدام خاصة عام 1997 عندما تضرر النمو المتصاعد بسبب رفع ضريبة الاستهلاك. لكن الأسوأ من ذلك أن بنك اليابان المركزي نفسه يقف تاريخياً في صف معدلات التضخم الضعيفة. ويتم تشديد السياسة النقدية رغم عدم وجود ضغوط أسعار. ويبدو أن البنك مهووس في محاربة فقاعات وهمية وفي تطبيع أسعار الفائدة. وخارج إطار السياسة النقدية يواجه برنامج ابينوميكس تحديات لا تنتهي. وقد يستنفد الشق الخاص بالإصلاحات الهيكلية معظم جهد ووقت رئيس الوزراء ورصيده السياسي. أما شقه الثاني المتعلق بتعزيز الوضع المالي فقد خرج عن مساره نظرا لردة فعل الاقتصاد غير المتوقعة حيال ضريبة القيمة المضافة. لكن في حال تجنب هذه الأخطاء مستقبلاً ربما يبدي الاقتصاد الياباني بعض المؤشرات المشجعة. فقد بلغت معدلات النمو 3.9% على اساس سنوي وإن كان لزيادة مخزونات الشركات دور مهم في ذلك. كما أن معدلات البطالة منخضفة وهناك مؤشرات طال انتظارها على تحسن معدلات الأجور. وإذا كانت السنوات العشرون الماضية قد علمت اليابان درساً ما فلا بد أن تفهم أن سنونو واحدا لا يعني أن الصيف قد حل. فالتوقعات الخاصة بمعدلات التضخم تراجعت على خلفية انتكاسات العام الماضي ثم انتعشت قليلاً. وإلى أن تعود إلى ما فوق نسبة 2% تبقى المشكلة التي يواجهها البنك المركزي في مدى تسريع برنامج التيسير الكمي لكي يقنع اليابان بأنها قادرة على الطيران من جديد.