لم يدر في ذهن احد من الناس العاديين بالتساؤل عن من الذي اطلق عبارة القائمة السوداء؟ هل هو رجل سياسي أم رجل امني؟ ليس من الصعب لمن يودون البحث في تاريخية التسمية والنبش عن حقيقتها فلن تكون المسألة صعبة طالما ان الانسانية قادرة على التنبيش والتقصي في عظام بشر ماتوا من مئات السنين عبر حامض الدي. إن. أي dna، وستكون هناك بحوث وانجازات اعقد في اكتشاف الاصوات الموجودة في الفضاء الخارجي على شكل صدى وذبذبات، ومع تفكيك تلك الاصوات الخفية فإننا سنكون امام انجاز علمي خرافي سيهز قناعات ومسلمات محددة حول تقديس الحكايات والقصص عن قادة وزعماء وقديسين باتت نصوصهم مقدسة لا تمس، ناهيك عن أن الثورة الجينية المستمرة في مناهجها البحثية دون ضجيج، فخلف كواليس المكاتب السرية والمختبرات تشاد اعقد المخططات والاهداف البحثية التي ستكون صادمة للانسانية ومفرحة لها، كما هو يوم تاريخ صعود الانسان الى الفضاء ثم اعقبه نزول الانسان على سطح القمر، وتتالت الرحلات المكوكية وبناء محطات تسبح في ملكوت الفراغ الكوني لتمسك باجابات اسئلة كانت شبه مستحيلة وممكنة قبل قرون. هذا الانسان العظيم بوجهه الجميل المشرق ومنجزه العلمي، يتم على كوكبنا الارضي توزيع صوره ووجوهه القبيحة على شكل قوائم وجوه بشرية كل منجزها اليومي والاجتماعي والسياسي هو قتل الناس الابرياء، ذبح من يختلف معهم بقباحة ما يطرحون من تبريرات قميئة لسلوكهم الوحشي. هؤلاء بوجوههم كقوائم سوداء هل فعلا يستحقون لقبا سوداويا !! ام اكثر من تلك التعبيرات القديمة لمفهوم القائمة السوداء؟! المقارنة بين سواد اللحى للمجرمين يوم ذاك وبين اعمالهم الاجرامية الشنيعة المتسمة بسواد المعنى والدلالة المجتمعية والاخلاقية، لهذا بتنا نربط اللون الاسود بكل ما هو سيئ وكريه وغير مرغوب ونتذكر عبارتنا الشعبية سود الله وجهك ذلك لأننا قمنا بفعل شنيع يناقض القيم السائدة ومسلمات المجتمع الخيرة. تبقى القائمة السوداء متنوعة تضعها الدول والمنظمات الدولية على الافراد والمؤسسات والبلدان، على الاعمال الجنائية كالجريمة والفساد وغيره او على الافكار والعقائد والايديولوجيات، بل ومؤخرا صارت قائمة الارهاب بدول ومنظمات واشخاص محظورين وممنوعين من الحركة ومطلوبين للعدالة، والقائمة السوداء ليست محصورة على انظمة استبدادية او ديمقراطية فلكل الانظمة قوائمها السوداء الداخلية والخارجية، على الاجانب او الموطنين فلكل قائمة سوداء خصوصيتها. ويبقى بالمعنى العام للقائمة السوداء فهي تعبير عن حرمان اشخاص ما من امتيازات وخدمات معينة والنكران للشخص بالعمل في مجال ما وبتعبير اوسع لهنري هولت يتحول الشخص الى منبوذ ostracized كما هي حالة الشخص الذي يوضع بالكرنتينه! وكانوا في اليونان القديمة ينفون بالتصويت لمدة خمس الى عشر سنوات الاشخاص خارجها، ويعزل من دوائر اجتماعية محددة وبذلك بشكل عملي يصبحون اصحاب القوائم البيضاء مقبولين ومعترف بهم ولديهم امتيازات معينة، غير انه هولت يؤكد ان القائمة السوداء ليست نقيض للقائمة البيضاء. ربما كثير من الناس مروا بالقائمة السوداء، وكان الأمن يرد بفقرة موجزة على المؤسسات حول امكانية تشغيلنا: لا ننصح بتوظيفه!. والعالم في ذاكرته لا زالت لجنة مكارثي حاضرة وكيف تم وضع قوائم الفنانين والمثقفين في تلك القوائم السوداء. لقد ورد مصطلح القائمة السوداء في الاصل من قبل الملك شارل الثاني ملك انجلترا عندما وضع 58 قاضيا وموظفا في المحكمة لأنهم حكموا بالاعدام على والده شارل الأول في عام 1649، وعندما صعد شارل الثاني على العرش في عام1660، ثلاثة عشر أسما ممن شاركوا في قتل الملك حكم عليهم بالاعدام و25 منهم سجنوا حكما مؤبدا، فيما الاخرون هربوا من العقوبة. وبذلك تكون القوائم السوداء بطبيعتها سلطوية ومؤسساتية اما تنتجها انظمة او مجتمع مدني كما هي الديمقراطية الامريكية في حقبة مكارثي. اليوم لا يستثني احد من تلك الدول امتلاء ادراجه بتلك القوائم، والتي بدلا من التناقص باتت متنوعة ولا تحصى.