في مشهد، تناقلته ركبان التواصل، عن رجل يتولى رعاية أمه، يظهر، في المقطع، كيف يعد لها الطعام، في بيئة فقيرة، ثم كيف يطعمها، ثم كيف يقوم بتنظيفها بعد الأكل، ثم كيف يقوم بتمشيط شعرها وتصفيفه. يجهّز أداة ركوبها، التي هي عبارة عن زنبيل من القش، يرتبه، بوضع فرشة ناعمة خلف الظهر، وفي أسفل المقعد، ثم يحملها فوق رأسه، ويقطع بها الأدغال والأنهار والطرق الوعرة، مشياً على قدمين حافيتين. تنعم، هي، بمقعد وثير على رأس ذلك الابن، الذي يتكبد الصعاب، في ذهابه وعودته، من وإلى الكوخ، ولم تظهر عليه أي من علامات التذمر. بالمقابل، مشهد تمثيلي يحاكي واقع بعض الجماعات المتطرفة، قُدّم من خلال البرنامج التليفزيوني «سيلفي»، فيه، يتبرع الابن، مبتهجاً، بتنفيذ عملية نحر أبيه، متشرّباً منهج جماعة «تؤدلج» أتباعها على فكر متطرف، أحد ملامحه، التبرؤ من الأقربين «حتى وإن كان أباك أو أخاك، تبرأ منه، أولاً، ثم اقتله ثانيا». الذي يبرّ أمه، لا أعلم ديانته، مع ميلي إلى كونه مسلماً، من أطراف آسيا، وعلى الرغم من بعده عن مركز الدين الإسلامي -الجزيرة العربية- إلاّ أن برّه لا نظير له، يتسق مع الفطرة السوية، وينسجم مع تعاليم الدين الإسلامي. الذي يريد أن ينال شرف نحر أبيه، ينتمي إلى بيئة الإسلام الأولى، لكنه، تغذّى على منهج، ليس للدين به علاقة، لأن الدين -أي دين- لا يمكن له، إلاّ أن يوصي ببر الوالدين، حتى وإن كانا على غير ذات الدين فيعاملان بالحسنى. هل كان على ذلك الأب أن يتمنى أنه من تلك البلاد؟ ليحظى بما حظيت به تلك الأم. ماذا أقول؟ حار الفكر، وتاهت الكلمات، وانتهت المساحة!