×
محافظة المنطقة الشرقية

العراق يجدد رفضه تدخلاً برياً أميركياً و «الحشد الشعبي» يكمل «حصار الفلوجة»

صورة الخبر

جاء ظهور الصحافة العلمية مواكبا وملاحقا للتطور الذي حدث في النصف الثاني من القرن الثامن عشر في مجالات التقنية، ودخول كم كبير من المخترعات والإنجازات العلمية حياة الإنسان، ما تطلب متابعة تلك الإنجازات والإلمام بجوانبها التطبيقية، كما أصبحت هناك ضرورة التواصل حولها بين العلماء من ناحية، والمواطنين من ناحية أخرى لمناقشة الجوانب المرتبطة بها. لا يمكن أن ينتعش الفكر والبحث العلمي في أي مجتمع ما لم تكن هناك موجات متدفقة من الإرسال والاستقبال بين العلماء وأفراد المجتمع، بل إن غياب هذا الدور لا يساعد المجتمع على تقبل واستيعاب الأفكار والتقنيات الجديدة، بينما يسهم وجوده في تطوير العلوم، ومساعدة العلماء أنفسهم في تحقيق المزيد من التقدم في المجالات البحثية. الأمر الآخر أن تطوير العلوم يرتبط ارتباطا وثيقا بقوى المجتمع الإنتاجية التي تُعنى بالتنمية الاقتصادية، ما يجعل للصحافة العلمية دورا أوسع بكثير مما يتصور البعض. والمهمة الرئيسة للصحافة العلمية ليست ترويج العلم، وإنما خلق الوعي بتأثيراته الاجتماعية، ويمكن الوصول إلى أساليب للتعاون بين العلماء من ناحية، وبين الإعلام من ناحية أخرى، بحيث يمكن لوسائل الإعلام عند تناول قضية معينة أن تقدم صورة كاملة تتسم بالوضوح والشمول لمختلف القضايا العلمية، فالرؤية الكلية تمكن الجمهور من تكوين وجهة نظر، وتحديد موقف تجاه القضايا ذات الطبيعة العلمية. وتكاد تتفق العديد من الدراسات على سمات محددة بالصحافة العلمية في المنطقة العربية، وهي تشكل بحد ذاتها معوقات لابد من تجاوزها لتقديم صحافة علمية حقيقة لا مجرد نشرات توعوية لا تكشف عن الكثير من ملابسات تلك القضايا التي يدخل كثير منها في صلب قضايا الصحافة وموضوعاتها. عند تحليل منظومة العلوم والتقنية، سنجد أن هناك ثلاثة أطراف لها علاقة بوضعية قضايا العلم والبحث العلمي، وهي: حكومات يفترض أن لديها خططاً تنموية، وقاعدة من مؤسسات البحث العلمي والباحثين العلميين، ومجتمعا واسعا يضم ملايين المواطنين يحتاجون بشدة للتعلم والمعرفة. ويحتل الإعلام العلمي تلك المسافة الفاصلة بين الأطراف الثلاثة ومن تلك المعوقات: - افتقاد معظم وغالبية الصحف العربية أقساما علمية اسوة بالأقسام الاخرى الفنية والاقتصادية والرياضية.. وهذا يشير الى غياب الرؤية لدى تلك الصحف بأهمية الاعلام العلمي وقضايا العلم كمادة اساسية في الصحافة يمكن ان تتحول بقضاياها التي تمس المواطن الى مادة صحفية بامتياز. - ضعف تأهيل الصحفي العلمي المتخصص، فالصحافة العلمية قطاع متسع بتعدد التخصصات وتفريعاتها. والصحفي العلمي هو الاساس الذي تعتمد عليه الصحف في بناء النماذج التحريرية، ومعالجة قضايا العلم بين جمهور القراء. وفي هذا تتقاسم المسؤولية مع اقسام الاعلام في الجامعات العربية التي لم تول عناية تذكر للصحافة العلمية باعتبارها تخصصا مهما وفريدا يتطلب تكوين صحفيين مؤهلين بقدرات وشهادات علمية وتدريب صحفي وتأهيل علمي واعلامي لمباشرة اعمالهم في هذا الحقل الدقيق. - ضعف التأهيل فيما يتعلق بالترجمة والتعريب، وذلك باعتبار ان مصادر العلم غالبا ما تكون بلغة غير العربية. وهذا يتطلب تأهيل كوادر متخصصة في ترجمة تلك المصادر للغة العربية، وتبسيط مادتها، واستلهام قضاياها، دون ان تفقد تلك المادة قيمتها. وهذا يتطلب إلماما علميا، بالتخصص العلمي أولا، كما يتطلب تأهيلا جيدا في الترجمة لتقديم مادة اعلامية علمية بلغة عربية سليمة تخاطب جمهور القراء وليس المتخصصين. - غياب او تراجع الصفحات العلمية.. ما يشكل عامل ضعف كبير في معالجة الصحافة لقضايا العلم. وهذا يعود في الغالب لعدم استشعار أهمية ودور الصحافة العلمية في معالجة كثير من القضايا الاجتماعية والاقتصادية. - ضعف الاهتمام بالمصطلح العلمي العربي، حيث تزخر كثير من الكتابات العلمية بالمصطلحات العلمية بلغتها الأجنبية، دون عناية تذكر بتعريبها، على الرغم من توفر العديد من المصادر التي يمكن توظيفها في الترجمة او النقل كالمصادر المعجمية التي اصدرتها مجامع اللغة العربية او مكتب تنسيق التعريب او المعاجم المتخصصة التي تصدر عن العديد من دور النشر. - سيادة الشكل الإخباري والتقريري على المادة المنشورة. ومن النادر ان نرى تحقيقا في قضية من خلال طرح البعد العلمي واستضافة العلماء والباحثين والاستفادة من معالجة الاخرين لتلك القضية. وهذا يعود لضمور بل وانعدام الاقسام العلمية في الصحافة العربية وغياب المؤهلين لإدارة تلك الصفحات العلمية إن وجدت. - تواضع امكانات الصحفيين في مواكبة قضايا العلم من خلال حضور المنتديات والمؤتمرات العلمية ونقل فعاليتها، ما يجعلها منتديات نخب علمية ضيقة لا يصل صداها للمتلقي. - ندرة المتخصصين بالإعلام العلمي او الصحافة العلمية حتى لتبدو مساحة شاغرة لاجتهادات تعتمد النقل دون عناية بالفحص والتوثيق.. وهذا يترتب عليه غياب مفهوم الاعلام العلمي التنموي الذي يجعل قضايا العلم التي تمس المجتمع من اولوياته. - على الرغم من فعالية شبكة الإنترنت، كونها مصدرا للمعلومات من السهل الوصول إليها والتعامل معها، وباعتبار الدور التفاعلي الذي توفره هذه الشبكة، فيظهر أنها مازالت أقل أهمية كوسيلة إعلامية في نشر ثقافة العلم او مناقشة قضايا العلم بالنسبة للاستخدامات الأخرى.. إذ لا زالت المواقع ذات الطبيعة العلمية المعرفية بالعربية أندر من النادر واقل من القليل بالنسبة للكم الهائل للاستخدامات الاخرى. - كثير من الدراسات الإعلامية التي اقتربت من مجال البحث في الإعلام العلمي، أو عُنيت بالمضمون العلمي للمادة الصحفية العلمية المنشورة، لم تعتن بالمضمون سوى من خلال تلك الأبعاد الوصفية التي تزخر بها أدبيات مناهج البحث في الحقل الإعلامي، إلا أن هناك حاجة للتركيز على العلاقة بين وظيفة الإعلام العلمي والمادة الصحفية المنشورة، وهذه العلاقة تحتم البحث عن معايير الجودة في ذلك الإعلام على أساس قدرته على التأثير في المتلقي، وتحقيق الأهداف التي تتوخاها الرسالة الإعلامية. وما تشير إليه بعض الدراسات من ضعف تعاني منه الصفحات أو الأبواب العلمية يستدعي في أية دراسة تتناول الإعلام العلمي في الصحافة العربية، التركيز على جودة المادة العلمية الصحفية، سواء من خلال المحتوى أو الإخراج أو مستوى التناول، أي ما يعرف بالعملية التحريرية، وهو ما ينعكس على فاعلية الرسالة الإعلامية وتأثيرها. عند تحليل منظومة العلوم والتقنية، سنجد أن هناك ثلاثة أطراف لها علاقة بوضعية قضايا العلم والبحث العلمي، وهي: حكومات يفترض أن لديها خططاً تنموية، وقاعدة من مؤسسات البحث العلمي والباحثين العلميين، ومجتمعا واسعا يضم ملايين المواطنين يحتاجون بشدة للتعلم والمعرفة. ويحتل الإعلام العلمي تلك المسافة الفاصلة بين الأطراف الثلاثة. وإهمال التعامل مع قضايا العلم إعلاميا، وضعف التواصل بها بين المتلقين من جهة والباحثين والعلماء من جهة اخرى، يؤدي لوضع منظومة البحث العلمي في اطار معزول عن الوعي العام. وهذا قد يؤدي الى تعثر بناء قاعدة شعبية واسعة تتفاعل مع العلوم وتطوراتها والتقنية ومساراتها.. إذ يبدو لها الحديث حول تلك القضايا ليس سوى طلاسم معقدة لا يدرك مفاهيمها وأبعادها سوى نخبة من العلماء والباحثين. لمراسلة الكاتب: aalqfari@alriyadh.net