الحرب الالكترونية بين الدول لا تقل خطراً في تداعياتها، وتحدياتها عن الحرب العسكرية التقليدية، بل قد تكون أخطر حين تستهدف الوطن في وحدته، وأمنه، واستقراره، وتثير الفتنة، والانقسام بأقل جهد، وتكلفة، ومدة زمنية، وبالتالي تحقيق الهدف بضرب الجبهة الداخلية المتماسكة، من خلال نشر الشائعات، والأكاذيب، وتزوير الوثائق، والتشويش على عقل المواطن، ومواقفه، وثوابته، والخروج من كل ذلك إلى حالة من الضعف والتراجع والخوف أحياناً من التعبير والمواجهة، والاستسلام في لحظة ما عن التبرير، والبحث عن عذر، أو حتى توضيح ما جرى. الهجمات الالكترونية على حاسبات وخوادم الجهات الحكومية، من خلال إدخال برامج تحمل فيروسات على نظام التشغيل وتثبيتها داخل الجهاز، هي عملية نفسية بامتياز؛ لأنها تترك أثراً سلبياً في كشف تفاصيل لا يمكن الإفصاح عنها، وتفقد المسؤول توازنه أحياناً، وتثير شكوكه، وتزيد من مخاوفه، وهو ما يعني حالة صدمة مخيفة لما قد ينتج وليس ما حصل، إضافة إلى محاولة الضغط والمساومة والابتزاز السياسي؛ لمعرفة المزيد من المعلومات السرية. الحرب الالكترونية في العالم لا تستثني أحداً، حتى الدول التي ترى نفسها بمنأى عن الاختراق هي أولى ضحايا القرصنة، والولايات المتحدة الأميريكية خير شاهد على تخوف وزير دفاعها من هجوم اليكتروني محتمل لأنظمة وزارته، وما كشفت عنه تقارير صحافية من اختراق أنظمة ومعلومات استخباراتية أميركية مؤخراً، إلى جانب استغلال الحرب الالكترونية كبديل عن المواجهة العسكرية في ردع الخصوم، وإيقاف تطلعاتهم، وطموحاتهم، وهو ما حصل مع فايروس "ستكسنت" الذي هاجم البرنامج النووي الإيراني العام 2010. اختراق أرامكو كان يهدف إلى ضرب اقتصاد الوطن و«وزارة الخارجية» لإحراج الموقف الرسمي.. وفشلوا في النهاية المملكة واجهت حرباً الكترونية شرسة كان الهدف منها ضرب وحدتها واقتصادها، ولا تزال تواجه ما هو أسوأ في هذه الحرب من خلال استمرار عمليات الاختراق المتكررة لأنظمة حساسة في (مواقع عمل أمنية)، ومن ذلك مركز المعلومات الوطني الذي لا يزال صامداً أمام محاولات اختراق متعددة في الثانية وليس الدقيقة، وكذلك (مواقع عمل اقتصادية) مثل ما حصل من هجوم على شركة أرامكو في أغسطس 2012 حينما تمت زراعة فايروس تخريبي حذف ملفات رئيسية على الأجهزة وأدى إلى تعطيل ثلاثين ألف جهاز حاسب باستخدام طريقة التصيّد الالكتروني، حيث استمرت تلك المحاولات لأكثر من شهر، وأيضاً (مواقع عمل سياسية)، وهو ما حصل من هجمة الكترونية محدودة لوزارة الخارجية نتج عنها تسريب وثائق غير مهمة لعمل إداري دبلوماسي يجري في الكثير من الدول، ومع ذلك تم تضخيم تلك الوثائق على أنها مستندات إدانة ضد المملكة وسياساتها الخارجية المستقلة، وهي في الواقع وثائق لا تخرج عن إطار السياسة المعلنة لوزارة الخارجية في تصريحات وبيانات كثير منها مرسل عبر الإيميل والفاكس، وتم تمريرها على أكثر من جهة وإدارة تابعة للوزارة، ولم تحمل معها أسرار دولة خطيرة، إلى جانب أن العديد منها خرج في مواقع التواصل الاجتماعي مفبركاً، وخارجاً عن سياق المضمون، وهو ما تم اكتشافه منذ الوهلة الأولى، وهو ما يفتح باباً خطيراً من فبركة تلك الوثائق المحدودة في عددها والمتواضعة في محتواها؛ للتضليل على الرأي الداخلي أكثر من الخارجي؛ ولذا على المواطن أن يتجنب نشر أي وثائق قد تكون مزورة تساعد أعداء الوطن في تحقيق غاياتهم إلى جانب الدخول إلى أي موقع بغرض الحصول على وثائق أو معلومات مسربة قد تكون غير صحيحة بقصد الإضرار بأمن الوطن. على المواطن أن يتجنب نشر أي وثائق قد تكون مزورة تساعد أعداء الوطن في تحقيق غاياتهم المملكة واحدة من أكثر الدول استهدافاً في أمنها، ووحدتها، وقرارها المستقل، وخاضت حروباً متعددة إن ضد الإرهاب، أو حماية حدودها وأمنها الوطني، أو حتى في تصحيح أفكار العنف والتشدد، ومن الطبيعي دولة بهذا الحجم والإمكانات المتعددة اقتصادياً وهذا الثقل الديني والسياسي أن تكون مستهدفة، وتواجه متاعب كثيرة من القريب قبل البعيد في محاولة التأثير على استقراها، وتتحمل أعباء أمة تراجعت إلى الخلف بشكل مخيف، ومثير، ويثير تساؤلات عدة، ومع كل ذلك نجحت المملكة بقيادتها وشعبها أن تخرج من أزمات ومنعطفات كثيرة؛ لأن الولاء والانتماء أكبر من أن ينال منهما أحد، وشواهد ذلك كثيرة لا تعد ولا تحصى. كل تلك التداعيات الخطيرة نفسياً وأمنياً وسياسياً للحرب الالكترونية يمكن تجاوزها بالوعي، والثقة، والمزيد من وحدة الصف؛ لقطع الطريق على المتربصين بعدم نقل أو تناقل الوثائق المسربة، والتقليل منها، ومن أهميتها، ومضمونها؛ لأنها لا تغيّر ما اتفقنا عليه من أن نكون في الرخاء قبل الشدة على قلب رجل واحد، وأن نتحمل معاً شراكة المسؤولية الوطنية في الدفاع عن هذا الوطن والتضحية من أجله والوقوف خلف قيادته، وهو ما عبّر عنه الملك سلمان في أكثر من مناسبة من أن الوطن آمن ومستقر بفضل الله، ثم بتكاتف أبنائه، وثقتهم بدولتهم، وحرصهم على وحدتهم، وكيانهم من أي تهديد. مجلس السياسة والأمن ناقش «الأمن التقني».. ولكن نحتاج إلى مركز وطني لمكافحة الهجمات وتوطين الوظائف التقنية في الأجهزة الحكومية ومع هذا الوعي الشعبي نحتاج أيضاً إلى عمل حكومي، حيث سبق وأن ناقش مجلس السياسة والأمن برئاسة صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن نايف بن عبدالعزيز ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية قضية الأمن التقني، ولا نزال نطمح أن يكون هناك إفصاح ومشاركة لهذه الخطوة المتقدمة مع بقية مؤسسات المجتمع، وتحديداً الأنظمة المالية التي لا تقل خطورة عن الجوانب الأمنية والعسكرية، إضافة إلى ضرورة إيجاد مركز متخصص لمكافحة الهجمات الالكترونية، ولا يكون محصوراً داخل كل جهة لتعمل بمفردها بعيداً عن غيرها، وإنما يكون المركز وطنياً يضم نخبة متميزة من الكفاءات الوطنية الشابة التي تتبادل المعلومات والخبرات بأسرع وقت، ويكون مرجعاً للتنسيق والتشاور لما يخدم أمن الوطن، كذلك ضرورة العمل على توطين الوظائف التقنية في الأجهزة الحكومية، وعدم إسنادها إلى شركات تشغيل، ومع كل ذلك نحتاج أيضاً إلى مزيد من التدريب والتأهيل للعنصر البشري في مراكز بحث متقدمة عالمياً لمعرفة المزيد عن خلفيات الحرب الاليكترونية، وأساليب الاختراق المتطورة، والجهد الاستخباراتي لتنفيذ مثل تلك العمليات ضد المملكة، وأهمية التحري مستقبلاً عن كل ما يثير تلك الهجمات، وتحديداً في هذا الوقت الذي تمضي فيه المملكة بكل حزم لمواجهة المتغيرات في المنطقة، والعمل بسياسة الفرص المتعددة وليس الفرصة الواحدة في مكان واحد.