تناقلت وسائل الإعلام التقرير الدولي الذي حذر من تزايد عدد النازحين واللاجئين بسبب مختلف النزاعات في العالم، والذي بلغ مستوى قياسيا قدره ستون مليون شخص عام 2014، ما يربو على نصفهم أطفال. لفت المفوض السامي للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين أنطونيو غوتيريس إلى فشل المجتمع الدولي مرتين (في حل هذه المشكلة العالمية)، الأولى عندما لم يقدر على منع اندلاع النزاعات المسلحة، والثانية عندما لم ينجح في وضع حد لتلك النزاعات. ونوه غوتيريس إلى أن العالم ينفق أموالا هائلة على الحروب مقارنة بنفقاته ذات البعد الإنساني، وأوضح أن الأموال المخصصة للأسلحة تزيد ست مرات على الأموال المرصودة للمساعدات والتنمية. ولعل اخر موجات اللجوء التي، ربما لم تضاف أرقامها إلى التقرير الدولي، هي جموع اليمنيين الفارين من جحيم الحرب المستعرة في بلادهم إلى الصومال، والتي على الرغم من عدم وجود إحصائية دقيقة لأعدادهم، فإن تقديرات تشير إلى نحو ألف شخص. ومن المنطقة العربية وحدها، وعلى وجه من فلسطين، تشير التقارير الصادرة عن المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، إلى أن عدد اللاجئين الفلسطينيين في سوريا الذين وصلوا إلى أوروبا تجاوز 36 ألف لاجئ، خلال الفترة الممتدة ما بين عامي 2011 و2015. أما من دولة عربية أخرى مثل سوريا، فقد أشار تقرير المنظمة إلى نزوح 4 ملايين إنسان عن سوريا، علاوة على تشريد أكثر من نصف السكان داخل سوريا. وأغلب النازحين واللاجئين السوريين تكدسوا في مخيمات مؤقتة في كل من تركيا ولبنان والأردن والعراق ومصر، وهي دول باتت تعاني بدورها من سيل اللاجئين الذي لا يتوقف. أما في إفريقيا، فلم تكف المفوضية السامية لشؤون اللاجئين، التابعة للأمم المتحدة، عن إبداء قلقها من تزايد أعداد اللاجئين في أفريقيا عامة ومنطقة القرن الأفريقي بصفة خاصة، وأن عدد اللاجئين الجنوب سودانيين الذين يعبرون إلى الأراضي الإثيوبية شهريا يبلغ 1000 لاجئ. ويتحدث تقرير صادر عن المفوضية العليا لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة، نشره، قبل عدة أيام موقع فضائية سكاي نيوز العربية عن فرار نحو 14 ألف من جنوب السودان، معظمهم من النساء والأطفال، من الحرب الأهلية الدائرة في بلادهم إلى السودان خلال الأسبوعين الماضيين، وفر أكثر من 157 ألف جنوب سوداني إلى السودان منذ بدء الحرب. ويضيف التقرير أنه خلال الأسبوع الماضي سجلنا تدفق نحو 7000 شخص، وخلال الأسبوعين الماضيين وصل نحو 14 ألف شخص وهذا يعتبر حالة طارئة داخل حالة طارئة. صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية، هي الأخرى أعدت تقريرًا حول اللاجئين في جميع أنحاء العالم، قالت فيه إن أزمة اللاجئين العام الماضي هي الأسوأ منذ الحرب العالمية الثانية، مضيفة أن أكثر من 16 مليون شخص هاجر من دولته ليقع فريسة الخوف والألم والجوع والموت، فيما تشرد نحو 38 مليون شخص على الأقل داخل مواطنهم، وأن أكثر من 11 مليون شخص لقوا مصرعهم بسبب أعمال العنف العام الماضي في سوريا والعراق وأوكرانيا وأفغانستان، كما أدى الفقر المدقع إلى وفاة عشرات الآلاف في جنوب صحراء أفريقيا وجنوب شرق آسيا. وتؤكد الصحيفة أنه في سوريا وحدها وصل عدد النازحين السوريين إلى 11 مليون شخص منهم أربعة ملايين على الأكثر هاجروا إلى دول أوروبية منذ العام 2011. وليست دول المهاجرين وحدها هي التي تعاني من تداعيات زيادة عدد اللاجئين بسبب تصاعد الحروب في مناطق جديدة من العالم، بل تشاركها في ذلك الدول المستقبلة لموجات الهجرة هذه، إذ تشير التقارير إلى زيادة عدد اللاجئين والنازحين إلى أوروبا بمقدار 51% من 4.4 ملايين إلى6.7 ملايين بسبب الأزمتين في أوكرانيا وسوريا وزيادة تدفق اللاجئين إلى أوروبا عبر البحر المتوسط. بطبيعة الحال هناك موجات اللاجئين التي لا يرصدها، بشكل واع أو غير واع رادار المؤسسات الإعلامية مثل مشكلة المهاجرين المسلمين الروهينغا التائهين في بحر اندامان، الذين يواجهون هجمات إثنية عنيفة على يد المتطرفين البوذيين في بورما (ميانمار). هناك الكثير من الاجتهادات التي حاولت الخروج بحل شاف لهذه المشكلة، لكن هناك رأي متفرد تثيره المعلقة السياسية على موقع الفضائية الألمانية (DW) أستريد برانغه، تؤكد فيه على أن أن أزمات اللاجئين العالمية لا تحل بضخ الأموال في مناطق الأزمات. لم يكن من الممكن منع وقوع الحرب الحالية في سوريا ولا حرب البلقان في تسعينات القرن الماضي أو المجازر في البوسنة وكوسوفو عبر الدعم الدولي لمشاريع المساعدات والتنمية الاقتصادية. لكنها أكثر من ذلك تثير تساؤلا في غاية الأهمية، يشير بأصابع الاتهام إلى، دول ومؤسسات عالمية، ممن لا يكفون عن ادعاء سعيهم المخلص لحل أزمات اللاجئين جراء الحروب، تقول فيه لماذا مثلاً يتم جمع 18 بالمائة فقط من المبلغ المطلوب في حملة تبرعات أطلقتها الأمم المتحدة لمساعدة لبنان، رغم أن هذا البلد المجاور لسوريا وبسكانه الستة ملايين يستضيف 1.2 مليون لاجئ سوري؟ ولماذا تصدر ألمانيا السلاح إلى (بلدان) رغم أنها تتدخل في حروب مع جاراتها؟ لعل برانغه من خلال هذا التعليق والتساؤل أن تقول بشكل غير مباشر، إن الإنسان، استجابة لغرائزه الحيوانية، وإشباعا لغريزة الجشع المتأصلة فيه، هو من يثير تلك الحروب، ويشعل نيرانها، ثم يعود كي يدعي رغبته في حل تداعياتها، وهنا يكمن التناقض في السلوك الذي ينجم عنه استمرار الحروب، واستمرار زيادة موجات اللاجئين والنازحين، كنتيجة مباشرة لها.