عاد المفاوضون السياسيون المكلفون بإيجاد حل للأزمة اليمنية إلى نقطة الصفر، بعد فشلهم في التوصل إلى اتفاق ينهي حرباً مستمرة منذ أكثر من ثلاثة أشهر، وإسعاد الناس الذين شردوا من منازلهم ومدنهم وقراهم، واتجهوا شرقاً وغرباً في الداخل والخارج خوفاً على حياتهم، ليكرسوا مفهوماً سائداً لدى العرب مفاده أن التنازلات من أجل الأوطان تصير أصعب من التنازل لأشخاص، وأن التحالفات يمكن أن تتم لمصلحة أفراد لكنها تكون صعبة الهضم عندما يتعلق الأمر بمصالح شعوب بأكملها. بالأمس، في جنيف، وبعد أيام من الشد والجذب والمشاورات العقيمة والتهم المتبادلة، أقنع المتفاوضون العالم أن الأمل في عودة الجميع عن الجنون الذي نشاهده اليوم في مختلف مناطق البلاد بالحرب الشاملة التي تدور رحاها في مختلف مناطق البلاد، مع فوارق أن شخصاً يهاجم وآخر يدافع، قد تبخر، وأن الحكمة التي راهن عليها كثيرون داسها المتفاوضون في جنيف على وقع الأحذية واللكمات، بخاصة من جاء متمنطقاً بسلاح الغطرسة تحت وهم الشعور بالقوة والسيطرة على مقاليد الأمور في الداخل، ونقصد به التحالف الناشئ بين جماعة الحوثي وعلي عبدالله صالح. لم يلتفت المتفاوضون إلى معاناة 25 مليون يمني شرّدتهم الحرب ودفعت بهم إلى متاهة الضياع، وانتشار الأمراض والأوبئة التي تحصد يومياً ما تحصده المدافع والطائرات، خصوصاً في مدن عدن وتعز وصنعاء وصعدة وغيرها، من المناطق التي تنعدم فيها الخدمات وتقل الإمكانية على مواجهتها. لم يلتفت المتفاوضون إلى الدمار الذي أحدثته الحروب في وحدة البلاد وأمنها واستقرارها، وفي تصاعد النزعة الانفصالية، وفي إفساح المجال أمام المنظمات الدينية بشتى أنواعها للحلول محل الدولة وأجهزتها. لم يعتبر المتفاوضون من الأجواء التي لمسوها في جنيف، حيث حياة التحضر مختلفة تماماً عن الحياة التي يعيشها اليمنيون اليوم، من غياب كبير للخدمات سواء الكهرباء أو المياه أو الصرف الصحي، فاليمنيون ومنذ عقود طويلة لم ينعموا حتى بالحد الأدنى من الخدمات الضرورية، حيث وجه الرئيس السابق علي صالح كل مقدرات البلد وإمكاناته لشراء الأسلحة وتخزينها، وهي اليوم تدمر من دون استفادة منها. سيعود المتفاوضون إلى مرجعياتهم بخفي حنين، لكنهم سيكونون مسؤولين أمام شعب كان يتوقع منهم الكثير في إقرار اتفاق لوقف إطلاق النار، وليس هدنة إنسانية فقط لأسابيع، أو لفترة شهر رمضان، لأن المشكلة أنهم وضعوا مصالح أحزابهم ومصالح جماعاتهم وزعاماتهم فوق مصالح وطنهم الذي يتمزق مع مرور كل يوم. كان بإمكان المتمردين أن يظهروا حسن نية بوقف إطلاق النار وسحب قواتهم التي دفعوا بها إلى المدن خلال شهر مارس/آذار الماضي، وأن يؤكدوا أنهم جادون في معالجة الأخطاء التي وقعوا فيها والتي يجني الشعب من الشمال والجنوب نتائجها المرة، بخاصة أن الموت صار لليمني أقرب من أي وقت مضى. sadeqnasher8@gmail.com