×
محافظة المنطقة الشرقية

شهر رمضان يحوّل الباحة إلى مدينة (الفوانيس)

صورة الخبر

ما إن‮ ‬يهلّ رمضان في‮ ‬كل عام حتى‮ ‬يبدأ السّجال مجدداً‮ ‬حول الدراما التلفزيونية‮ ‬والعدد الوفير من المسلسلات التي‮ ‬يتصور منتجوها ومخرجوها أنها من الضرورات الرمضانية،‮ ‬بل من الطقوس التي‮ ‬لابد منها،‮ ‬ولأن الواقع العربي‮ ‬خلال الأعوام الأخيرة،‮ ‬يعاني‮ فقدان التوازن بين ما هو أساسي‮ ‬وما هو ثانوي‮ ‬أو تكميلي،‮ ‬وهناك من‮ ‬يتصورون أن الجودة والإنجاز‮ ‬يقاسان بالكمّ وليس بالنوع،‮ ‬والحقيقة عكس ذلك تماماً‮.‬ وهنا تحضرني‮ ‬مقولة لناقد أوروبي‮ ‬هو فليتشر عن الرواية اليتيمة والوحيدة للإيطالي‮ ‬لامبيدوزا وهي‮ ‬رواية‮ الفهد‮‬،‮ ‬قال هذا الناقد إن العمل الواحد أحياناً‮ ‬يعيد إلى كلمة الإنجاز اعتبارها،‮ ‬وقد سبقه العرب بقرون حين قالوا إن رجلاً‮ ‬قد‮ ‬يعادل ألف رجل،‮ ‬وإن العزائم تأتي‮ ‬على قدر أهل العزم‮!‬ وهناك من‮ ‬يقولون إن هذا الواقع العربي‮ ‬بكل ما‮ ‬يعجّ به من مشاهد دموية وحروب الإخوة الأعداء‮ ‬يقدم دراما حيّة عبر مختلف الشاشات،‮ ‬لكن أسواق الفضائيات وبورصاتها لها متطلبات أخرى،‮ ‬وقد‮ ‬يتم تزوير الواقع بحيث تقدّم بدائل خيالية،‮ ‬منها ما هو أقرب إلى الفنتازيا،‮ ‬تماماً‮ ‬كما‮ ‬يقدّم لإنسان ظامئ شقّق العطس شفتيه، طبق من التراب‮!‬ ولو قُسّمت الدراما الرمضانية على مدار العام لكان لكل شهر حصته منها،‮ ‬لكن حشدها في‮ ‬شهر واحد لن‮ ‬يتيح حتى لهواتها أن‮ ‬يتابعوها،‮ ‬فالمرء‮ ‬يحتاج إلى عشرين عيناً كي‮ ‬يفعل ذلك‮!‬ إنه سجال متكرر،‮ ‬لكنه لا‮ ‬ينتهي‮ ‬إلى نتائج أو حلول،‮ ‬بل أصبح هذا السجال أيضاً‮ ‬طقساً‮ ‬يضاف إلى الدراما‮. ‬إذ سرعان ما‮ ‬يُسدل الستار وتعود حليمة إلى عاداتها القديمة‮.‬ إن واقعاً‮ ‬نازفاً‮ ‬وملتهباً‮ ‬كالذي‮ ‬نعيشه ليس فيه من فائض الرفاهية ما‮ ‬يتيح لأحد أن‮ ‬يتلاعب بالعواطف والانفعالات أو أن‮ ‬يقدم بدائل متخيّلة على سبيل النفاق سواء كان سياسياً‮ ‬أو اجتماعياً‮.‬ وإذا كان كل ما جرى حتى الآن لم‮ ‬يُغير من رؤى القائمين على هذا المجال فليس هناك أي‮ ‬رجاء في‮ ‬أن‮ ‬يحدث ذلك حتى في‮ ‬المدى الأبعد‮.‬ ونحن لا نطالب الدراما والكتابة عموماً‮ ‬أن تكون مجرد انعكاس للواقع،‮ ‬لكننا نطالبها بإصرار بألا تخون هذه الآلام وهذا النزيف‮.‬ وما قاله كاتب فرنسي‮ ‬ذات‮ ‬يوم عن الطلاق البائن بين الرقصة والموسيقى‮ ‬يحدث الآن،‮ ‬فلا ندري‮ ‬ما إذا كان الراقص‮ ‬يدور حوله نفسه مذبوحاً‮ ‬من شدة الألم أم أنه اغترب عن ذاته وواقعه وأصبح تائهاً على رصيف هذا العالم‮!‬ ولا نتصور أن هناك دراما مهما بلغت،‮ ‬تصل إلى الحدّ الأدنى من هذه الدراما التي‮ ‬نعيشها على مدار السّاعة‮.‬