في الليلة التي عزل فيها الجيش المصري الرئيس الإسلامي محمد مرسي نزل المحامي المسيحي بيتر نجار إلى ميدان التحرير للاحتفال تغمره سعادة أكبر من تلك التي شعر بها عندما تنحى الرئيس السابق حسني مبارك قبل أكثر من عامين. لا يزال نجار يشعر براحة كبيرة لانتهاء عام من حكم مرسي قبل أسبوعين، لكن مع تلاشي مشاعر الحماسة الأولية يخشى كثيرون من أبناء الأقلية المسيحية ألا تتخلى جماعة «الإخوان المسلمين» التي ينتمي إليها مرسي عن السلطة بسهولة. ولا يعتقد المسيحيون الأقباط أن الحكومة الموقتة التي تشكلت هذا الأسبوع من دون مشاركة من الإسلاميين ستضع نهاية لمظالمهم القديمة مثل صعوبة الحصول على وظائف حكومية والمساواة أمام القانون والحصول على تصاريح لبناء الكنائس. لكن رغم ذلك يشعر نجار الذي انضم إلى الاحتجاجات الحاشدة في القاهرة يوم 30 حزيران (يونيو) الماضي بالسعادة لرحيل «الإخوان». ويقول: «هذه هي الثورة المصرية الحقيقية... الشعب وقف ضد الأسلمة. هذه هي نهاية الإسلام السياسي». وساند بطريرك الأقباط الأرثوذكسي البابا تواضروس الثاني الجيش ووقف مع ليبراليين وشخصيات إسلامية من غير «الإخوان» إلى جانب وزير الدفاع الفريق أول عبدالفتاح السيسي عندما أعلن الأخير عزل مرسي في الثالث من الشهر الجاري. وزادت في شدة خلال عهد مرسي وتيرة التوترات الطائفية والهجمات على المسيحيين والكنائس. وغادر كثير من الأقباط الذين يشكلون نحو عشرة في المئة من المصريين البالغ عددهم 84 مليون نسمة البلاد التي استقر فيها أجدادهم في السنوات الأولى للمسيحية قبل قرون من دخول الإسلام لمصر. ويخشون أقباط من أن يلجأ أنصار مرسي إلى العنف لإعادته إلى السلطة. وقتل إسلاميون خمسة أقباط على الأقل منذ عزل مرسي، بحسب «المبادرة المصرية للحقوق الشخصية». وقال رومان جودة الذي كان يزور مع صديق له أكبر كاتدرائية مصرية في حي العباسية بالقاهرة: «رحيل مرسي يشكل تطوراً لكنني لا أشعر بالراحة تماماً». ويضيف صديقه أمير حبيب: «يساورني القلق لأن الإخوان يواصلون الاحتجاج». وكان حبيب بين مئات الشبان المسيحيين الذي تجمعوا داخل الكاتدرائية في نيسان (أبريل) الماضي عندما تفجرت مواجهات بين الأقباط والإسلاميين الذين ألقوا القنابل الحارقة وأطلقوا طلقات الخرطوش من المنازل المجاورة على مقر الكاتدرائية. وقالت وزارة الداخلية إن المسيحيين هم من بدأوا المواجهة بإشعال النار في سيارات. وتخضع الكاتدرائية لإجراءات أمنية مشددة، وتضم كرسي البابوية ومعاهد لاهوتية وخياطين للأزياء الدينية وسكناً للراهبات. وليس هناك سوى بوابة واحدة مفتوحة للجمهور يحرسها حراس أمن ورجال شرطة. وقال مسؤول في الكنيسة إن عدداً قليلاً من الزوار يحضرون إذ يرغب كثيرون في الابتعاد عن الأضواء. وخلال رئاسة مرسي قال البابا تواضروس إنه شعر بتهميش وتجاهل وإهمال للمسيحيين من جانب السلطات التي يقودها «الإخوان». وأشار إلى أن الأقباط يهاجرون لأنهم يخشون من النظام الجديد. وتعيد مشاهد الناس وهم يرقصون في ميدان التحرير إلى الذاكرة مشاهد الوئام الطائفي خلال انتفاضة 2011 على حكم حسني مبارك حينما كان المسيحيون يحمون المسلمين وقت الصلاة ويهتفون معاً وهم يرفعون الأناجيل والمصاحف. ويشعر الأقباط بالسعادة لأن الحكومة الموقتة التي ستتولى إدارة البلاد حتى تجرى الانتخابات تضم ثلاثة مسيحيين بينهم السياسي الليبرالي منير فخري عبدالنور في منصب وزير التجارة والصناعة. وكانت هناك وزيرة مسيحية واحدة في حكومة مرسي تحمل حقيبة البحث العلمي. وقال نجار: «هذه حكومة لكل المصريين...تم تعيينهم لأنهم كفاءات». لكن مظالم الأقباط القديمة لا تزال قائمة. ويقول حبيب الذي يعمل في متجر للمصوغات، وهي تجارة لطالما اجتذبت التجار المسيحيين: «لا يمكنك أن تحصل على وظيفة في الشرطة أو في الكثير من الوظائف الحكومية الأخرى». وكره كثير من المسيحيين مثلهم في ذلك مثل المصريين المسلمين الوحشية والفساد في عهد مبارك، لكنهم يقولون إنهم كانوا يشعرون بقدر أكبر من الأمان في عهد الرجل الذي زج بالإسلاميين في السجون خلال سنوات حكمه الثلاثين.