تثير الدساتير الجديدة في عدد من الدول العربية مثل مصر وتونس والأردن والمغرب حماس الإسلاميين نحو طرح دستور متوافق مع مبادئ وأحكام الشريعة الإسلامية، هذا ما يستدعي من الذاكرة التاريخية على الفور، مشروع دستور إسلامي وضعه الأزهر الشريف في سبعينات القرن العشرين. تعود قصة هذا الدستور إلى توصية أصدرها مجمع البحوث الإسلامية في الأزهر الشريف الذي عقد في تشرين الأول (أكتوبر 1977)، بأن يقوم الأزهر ومجمع البحوث الإسلامية بصفة خاصة بوضع دستور إسلامي ليكون بتصرف أية دولة تريد أن تأخذ بالشريعة الإسلامية. تم إنجاز مشروع الدستور خلال عام وصدر في تشرين الأول 1978، ونشرته مجلة الأزهر في نيسان ( أبريل سنة 1979 ميلادية) > من مواد الدستور الأزهري: - المسلمون أمة واحدة. - الشريعة الإسلامية مصدر كل تقنين. - يجوز أن تتعدد الدول في الأمة الإسلامية، وأن تتنوع أشكال الحكم فيها. - يجوز للدولة أن تتحد مع دولة إسلامية أو أكثر في الشكل الذي يتفق عليه. - يقوم الشعب بمراقبة الإمام وأعوانه وسائر الحكام ومحاسبتهم وفق أحاكم الشريعة الإسلامية. - التعاون والتكافل أساس المجتمع. - الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فرض، ويأثم من يقصر فيه مع القدرة عليه - الأسرة أساس المجتمع، قوامها الدين والأخلاق، وتكفل الدولة دعم الأسرة، وحماية الأمومة، ورعاية الطفولة، وتهيئة الوسائل المحققة لذلك. - حماية الأسرة واجب الدولة بالتشجيع على الزواج، وتيسير أسبابه المادية بالإسكان والمعونات الممكنة، وتكريم الحياة الزوجية وتهيئة الوسائل لحسن تبعة المرأة لزوجها وخدمة أولادها، واعتبار العناية بالأسرة أول واجباتها. - العناية بسلامة الأمة وصحة الأفراد واجب الدولة وعليها توفير الخدمات الطبية المجانية للمواطنين من وقائية علاجية. - طلب العلم فريضة، والتعليم واجب الدولة وفقاً للقانون - التربية الدينية منهج أساسي في كل مراحل التعليم. - التبرج محظور، والتصاون واجب، وتصدر الدولة القوانين والقرارات بصيانة الشعور العام من الابتذال. - اللغة العربية اللغة رسمية، والتاريخ الهجري واجب ذكره في المكاتبات الرسمية. - الولاية العامة منوطه بمصلحة الرعية، وبخاصة حماية الدين والعقل والنفس والمال والعرض. - يقوم الاقتصاد على مبادئ الشريعة الإسلامية بما يكفل الكرامة الإنسانية، والعدالة الاجتماعية، ويوجب السعي في الحياة بالفكر والعمل، ويحمي الكسب الحلال. - حرية التجارة والصناعة والزراعة مكفولة في حدود الشريعة الإسلامية. - الوقف على الخيرات جائز، ويصدر قانون بتنظيمه من كل النواحي. - العدل والمساواة أساس الحكم، وحقوق الدفاع والتقاضي مكفولة، ولا يجوز المساس بها. - الاعتقاد الديني والفكري وحرية العمل، وإبداء الري بالقول والكتابة أو غيرهما، وإنشاء الجمعيات والنقابات، والانضمام إليها، والحرية الشخصية، وحرية الانتقال والاجتماع كلها حقوق طبيعية أساسية تكفلها الدولة في حدود الشريعة الإسلامية. - للمساكن والمرسلات والخصوصيات - حرمة، والتجسس محظور، ويحدد القانون ما يرد على هذه الحرمة من قيود تمارسها الدولة في جرائم الخيانة العظمى، أو الخطر الداهم، ولا تكون تلك الممارسة إلا بإذن قضائي. - تسليم اللاجئين السياسيين محظور، وينظم تسليم المجرمين العاديين باتفاقات مع الدولة المعنية. - تعذيب الأشخاص جريمة، ولا تسقط الجريمة أو العقوبة طول حياة من يرتكبها. - يعاقب الموظف الذي تقع في اختصاصه جريمة تعذيب علم بها، ولم يبلغ السلطات المختصة عنها. - يكون للدولة إمام، وتجب الطاعة له وإن خولف في الرأي. - يبين القانون طريقة البيعة العامة في اختيار الإمام، على أن تتم البيعة العامة تحت إشراف القضاء، وتكون البيعة بالغالبية المطلوبة لأصوات المشتركين في البيعة. > يشترط للمرشح لرئاسة الدولة: الإسلام، والذكورة، والبلوغ، والعقل، والإصلاح، والعلم بأحكام الشريعة الإسلامية، لأصحاب الحق في البيعة عزل الإمام متى تحقق سببه، وبالطريقة التي يبيّنها القانون، يخضع الإمام للقضاء، وله الحضور أمامه بوكيل عنه، تكفل الدولة استقلال القضاء، والمساس باستغلال القضاء جريمة. > يكون للدولة مجلس للشورى يمارس الاختصاصات الآتية: سن القوانين بما لا يتعارض مع أحكام الشريعة الإسلامية، اعتماد الموازنة العامة للدولة وحسابها الختامي، ممارسة الرقابة على أعمال السلطة التنفيذية، تقرير مسؤولية الوزارة عن أعمالها وسحب الثقة بها عند الاقتضاء. - تتولى الحكومة مسؤولية إدارة شؤون الحكم وتحقيق المصالح الشرعية، وتكون مسؤولة أمام الإمام. - يحدد القانون شروط تعيين الوزراء، والأعمال المحظورة عليهم أثناء تولي مناصبهم، وطريقة محاكمتهم عما يقع منهم في عملهم. هذا الدستور فيه العديد من المواد التي تؤكد بصورة أساسية حقوق الإنسان، على رأسها تجريم التعذيب واستغلال القضاء، ومن الملفت نصه على إلزام الدولة بالتربية في المدارس دون تحديد الدين مسيحياً أم مسلماً، فضلاً عن تأكيده حرية الرأي والتعبير وتكوين النقابات والأحزاب، لكنه أحدث توازناً بين الرأسمالية الشرسة والرأسمالية المتوازنة، فهذا الدستور متوازن يذكرنا بالرأسمالية المتوازنة بين العدالة الاجتماعية وحق الكسب وتنمية رأس المال، فيكفل حق العلاج على نفقة الدولة لكل المواطنين، وتكوين الجمعيات والنقابات، بل اعتبر الدستور التعاونيات ضمن مواده. لكن الدستور لم يكن عصرياً في بعض المصطلحات السياسية فأصر على مصطلح البيعة لكنه يعود ليذكر الانتخابات، ومصطلح الأمام بدلاً من الرئيس، علماً بأن مصطلح الإمام يحمل سلطتين دنيوية وروحية، بينما سلطة الرئيس دنيوية، ولم يحدد الدستور هل الإمام ينتخب إلى وفاته أم إلى مدة محددة، لكن يبقى هذا الدستور اجتهاداً فيه العديد من المواد التي يمكن الأخذ بها ومناقشتها، وتحمل بعض مواده نظرة تقدمية اجتهادية تستحق التقدير.