×
محافظة المنطقة الشرقية

«أبوصيبع زمان»... صور تحكي تاريخ القرية ومهن الأجداد

صورة الخبر

الصيام مظهر من المظاهر التي عرفتها البشرية منذ القدم، وإن اختلفت في تمثله بحسب الداعي والسبب والغرض والكيفية، ارتبط بالكثير من الطقوس والعادات التي كانت تعبّر عن استيعاب الأمم الغابرة والشعوب الماضية لمفهوم الصيام وإدراكها لكنهه وتشكيله في ثقافتها ووعيها الجمعي والفردي وسلوكها الروحي. وقد عرفت الحضارات القديمة والثقافات العريقة والديانات السابقة مظاهر مختلفة وممارسات متنوعة للصيام كانت تتشابه حيناً وتتباين أحياناً أخرى، فعرف عند الهيلينيين، والكولومبيين، والهنود الحمر، واليابانيين، والهندوسيين والبوذيين، والمصريين القدماء، وأقرته الأديان السماوية بصنوف مختلفة وأنماط متماثلة. وحسب اختلاف الغاية والهدف من الصيام اختلفت كيفيته وتباينت طرائقه في ثقافة الشعوب والأمم الماضية، حيث كان بعضها ينزع إلى ممارسات معينة كالصوم عن الكلام، وبعضٌ آخر عن الطعام ساعات في اليوم، أو في أيام معلومة في أشهر معلومة، وقد اختلف الصيام في الإسلام جوهرياً عن الثقافات الأخرى، حيث مزج بين معنييه الظاهري والباطني، واللغوي والشرعي، لما في ذلك من تربية للنفس وترويض لها على ما يخالف هواها، كما يحمل الصيام مقاصد سامية وقيماً راقية تحث على التأمل والتفكر والتدبر، وليس مجرد الإمساك عن المفطرات ومفسدات الصيام فحسب. ويأتي رمضان كل عام ليبعث في النفوس الحنين إلى تلك الأجواء الروحانية ومظاهرها الإيمانية التي تذكي تلك القيم العليا في النفوس وتحدوها إلى الارتقاء في مدارك الصفاء والكمال، في الخلوات والجلوات، كما يحيي رمضان في الذاكرة ذكريات ماضية في أزمنة خالية تكشف صورة احتفاء المجتمعات العربية بحلول الشهر الفضيل وما يواكب ذلك من مظاهر ثقافية واجتماعية وترفيهية يتم استحضارها كل عام. ثمة من يتخذ رمضان مطية للكسل والخمول يصل يومه بليله نوماً، ويتحول إلى إنسان ليليّ يسرح ويمرح بلا عمل أو جهد تعللاً بثقل الصيام ووقعه على نفسه في النهار، ويضعه في مزاجية متقلبة لا يكاد يستقر على حال، ولا يفكّر في مآل، يَتخَطَفُه الوقت ويسرق لحظاته الحانية الجميلة التي تذهب سدىً، وهناك من يأخذهم الشهر في مدارج الصفاء والتأمل، ويضفي على حياتهم صبغته الخاصة، ويدفعهم إلى مراجعة أفكارهم وكتاباتهم في أوقات مخصوصة، ويشحنهم بشحنات من الحماس والاندفاع نحو تقديم المزيد والمفيد. ثقافة رمضان تكمن في طريقة التعامل معه واستغلال ساعاته وأيامه في العمل الجاد حتى يتحوّل إلى كتلة من الطاقة الإيجابية التي تذكي في الإنسان جذوة العمل وصدّ الخمول والكسل، وتبديد رتابة الصيام بدل إضاعة الوقت في النوم والانشغال بما لا يفيد، لأن رمضان مرتبط في الذاكرتين العربية والإسلامية بالكثير من الإنجازات العلمية والعملية التي خلفها كوكبة من العلماء الأجلاء والفطاحل البلغاء وأثروا بها تاريخ الثقافة العربية، فهو شهر عمل وليس موسم كسل، وفسحة لتدريب النفس وتعويدها على البذل والعطاء.