×
محافظة عسير

استمرار فرص هطول الأمطار فوق مرتفعات عسير اليوم وغدا

صورة الخبر

مثل كتلة ثلج يذوب نظام بشار الأسد وتبتلع جغرافية سورية قُطعه الواحدة تلو الأخرى، وقد فاجأت طريقة تلاشيه تلك حتى حلفاءه الذين بنوا تقديراتهم على بقائه مدة اطول تمنحهم مساحة كافية لفحص الخيارات المختلفة بشأن التفاوض عليه وعلى دورهم في سورية وموقعهم في المنطقة. فجأة أصبحت كل الصيغ الميدانية التي اعتمد عليها النظام من دون فعالية، فلا طائراته ولا كثافة نيرانه باتت تحقق فارقاً في التوازن مع قوى الثوار ولا موارده عادت كافية لإخراجه من دائرة الإنكسارات المتوالية، وبالكاد يستطيع تحقيق انسحابات نصف ناجحة، وفجأة تغيرت ديناميكيات الصراع وتبدلت المواقع بحيث صار النظام يعاني حالة من الفوضى وكأنه استعارها من خصومه الذين طوروا مستوى تنسيقهم بدرجة لافتة، وانتهى الوقت الذي كان يشكل تدخل حلفائه فارقاً في الميدان لصالحه. يكفي أنّ أقواهم «حزب الله» صار مستنزفاً في بقعة جغرافية صغيرة ويقاتل من أجل الاحتفاظ بتلة على واد في جرود القلمون لينتقل بذلك من بحبوحة إستراتيجية هجومية تسمح له باختيار مواقع وأمكنة المعركة إلى الوضعية التي يدافع فيها عن مواقع تجمعاته ومخازن أسلحته وخطوط إمداده. بالحسابات العسكرية، لم يكن صعباً قراءة تطورات المشهد الراهن أو تقديرها بالتقريب. تلك نتيجة منطقية لحالة الإستنزاف التي يعانيها النظام على مدار أربع سنوات وفي ظل استمرار دينامية الثورة ضده، فقد تدمّرت آلته العسكرية بمختلف تشكيلاتها، وخسر مساحات إستراتيجية واسعة، وحوصر جزء كبير من طرق إمداده، وترافق ذلك مع خسارته لجزء كبير من كادره المقاتل وبات صعباً عليه تعويض ذلك بسهولة، كما أن البنية التي صنعتها إيران من مئات الميليشيات تبين أنّها بنية فوضوية قد تساعد على إدامة حالة اللاإستقرار والأذى لكنها لا تساهم في الحفاظ على نظام الأسد. لكنّ هذه الحسابات فاتت داعميه الذين ركّزوا جهودهم على خيار واحد وحسب هو الانتصار وسحق ثورة الشعب السوري بكل الطرق والوسائل بما فيها التهجير والإبادة، واستخدموا في سبيل ذلك سياسة حافة الهاوية في تكتيكات الحرب والتفاوض، ولم يوسّعوا دائرة خياراتهم، بل عملوا على دمج الصراع في إطار نسق أحلامهم الجيوسياسية المفترضة ما جعل تقديراتهم لمجريات ومآلات الصراع رغبوية بحيث لا تسمح لهم برؤية المعطيات وتقيّيمها بشكل حقيقي. والراهن أن النظام اليوم صار مشكلة كبيرة بالنسبة الى حلفائه أنفسهم وبالنسبة حتى الى كثير من القوى التي كانت ترغب بزواله ورحيله. الكل ينطلق من قاعدة ضرورة الحل السياسي للأزمة لأن من شأن ذلك توفير حالة يمكن السيطرة عليها وضبطها بحدود معينة، ذلك أنّ أغلب القوى تدرك أنّ في سورية هناك مشكلة إندماج الدولة ومؤسساتها بالنظام، بمعنى أن المؤسسات جرى تصميمها للعمل فقط ضمن شروط وقوانين النظام، وبالتالي فإن تفكيك هذه الحالة أمر معقّد وغير مضمون النتائج ومغامرة لا يريد أحد الدخول فيها، والطريقة الأفضل للخروج من هذا المأزق تتمثّل بحصول اتفاق يبقي جزءاً من النظام ويضمن بقاء تسيير مؤسسات الدولة، بخاصة تلك التي لها علاقة بالأمن. ولعل هذه الحقيقة شكلت على الدوام نقطة قوة لصالح النظام وداعميه وهي التي سمحت لهم بتصعيد سقف مطالبهم واللعب على حافة الهاوية اعتقاداً منهم أن لا خيار للمجتمع الدولي غيرهم، وبخاصة بعد ظهور «داعش» ومحاولة طرح معادلة إما النظام أو «داعش» والقوة المتطرفة في مجتمع غير متجانس لا دينياً ولا ثقافياً ولا حتى عرقياً. اليوم يبدو أننا نقترب من نهاية مرحلة كان يمكن لنظام الاسد فيها فرض شروطه وكان يمكن لحلفائه طرح مقاربتهم ورؤاهم للحل، مع اقتراب فقدانهم السيطرة على الأرض، وحتى بالنسبة الى الاطراف التي كانت تدعو الى الحل السلمي مثل الولايات المتحدة، فكيف يمكن المحافظة على ما تبقى من نظام الأسد للوصول به الى مرحلة التفاوض وإنجاز التسويات في وقت ما زالت تلك الأطراف تفتقر لتصور مشترك للحل ولم تتفق على الخطوط العريضة سواء في الحصص أو الأدوار أو موقع سورية من التحالفات وفي وقت تتحرك فيه التغيرات على الأرض بسرعة؟ غالبية الأطراف تبدو خياراتها قليلة ومتساوية في الوقت نفسه. بالنسبة الى حلفائه لا يبدو أن جسد النظام قد يستجيب لجرعات جديدة من المساعدات تنقذه من السقوط إلا في حال تطبيق انواع من العلاجات الخطرة كالتدخل المباشر على الأرض من قبل روسيا وايران وهو ما لا يبدو أنه يلوح في الافق، وبالنسبة الى الولايات المتحدة لديها خيار واحد هو الضغط على الدول الداعمة للثوار كي تخفف من زخم دعمها أو تشترط عليهم التركيز على جبهات محددة للمحافظة على ما تبقى من النظام. في الحسابات العملانية يمكن لهذه الإجراءات تحقيق نتائج معينة، لكن الواقع يقول أن وقوع النظام على خط الاحتمالات السيئة قد لا يفيد معها الكثير من هذه الإجراءات، ذلك أن مروحة الإنهيارات تتوسع بما يفوق القدرة على ترميم الأوضاع وقد يجد الجميع أنفسهم أمام حالة لا يمكن ضبطها والتحكم بها، وبخاصة أن النظام صار في عين الاستهداف من أكثر من جبهة بما فيها جبهة بيئته الداخلية التي تحصل فيها تغيرات من شأن تطورها الإطاحة برأس النظام وفرط جبهته بالكامل.