--> هل يشكّل حضور شهر رمضان الكريم في الأدب السعودي رافداً لتجربة روحية عميقة؟ أمْ أنّ حضوره لا يعدو كونه احتفاءً مثالياً بإرث ديني هو أقرب إلى فخر فلكلوري أو رتوش هامشية عابرة في مقاطع وصفية في رواية أو قصة ما؟ . وكيف يؤثر شهر رمضان على سلوك الأدباء السعوديين؟ شهر رمضان لدى البعض منهم ،موسمُ تجاربٍ روحية تتنفس فيه الروح نفحات الإيمان والقرب الإلهي ،وتتصارع فيه الذات مع نفسها من أجل تهذيب نوازعها، ما يؤهل الفرد لحضورٍ أكثر فاعلية في أُفقٍ اجتماعي ينتظر ذوات متخففة من ثقل نوازع أنانيتها من أجل الصالح العام. هو أثر يبدو بارزاً بشكل كبير لدى البعض لكنه غائب لدرجة أن البعض الآخر ينكر وجود أثرٍ للاحتفاء به في الأدب سوى في حالات استثنائية تعود في معظمها للزمن الماضي فتؤكد قاعدة الغياب .. * ربيع الشعر يعتقد الشاعر ماهر رحيلي أن أجمل الشعر السعودي كتب في شهر رمضان المبارك لما لهذا الشهر الكريم من انعكاس نفسي طيّب على الشاعر والأديب بالعموم، ويضيف: وهنا تحضرني قصيدة رمضانية جميلة للشاعر أحمد سالم باعطب يصوغ فيها فرحة العالم بقدوم شهر رمضان وانطلاق النفوس مسرعة في مساحات الاصطلاء بالدموع طلبا للمغفرة والرحمة من العلي القدير، وهذه الابيات من أكثر الأبيات التي كُتبت في شهر رمضان وعلِقت في ذاكرتي وحينما أقرؤها أشعر بأنها كُتبت توّاً لِما لها من تأثير في نفسي، تقول : رمضان بالحسنات كفّك تزخــــرُ والكون في لآلاء حسنك مبحــرُ يا كوكباً أعلامه قدسيـــــــــــــــة تتزيّن الدنيا له وتعطّـــــــــــر أقبلت رحمى فالسماء مشاعــــلٌ والأرض فجر من جبينك مسفر هتفت لمقدمك النفوس وأسرعت من حوبها بدموعها تستغفـــــرُ * رئة الأدب وتؤكد القاصة ميّادة الحفناوي أنّ أحلى الذكريات كنّا نعيشها في رمضان. وأنا أرى بأن الأدب والشعر كلّه يتنفّس في رمضان حتى الكلمات والأهازيج العامية و ضرب الطبل من المسحراتي في ذلك الزمن الجميل ،كلها يمكن أن تكون جزءًا من ذاكرة الأديب. وتضيف: إن اردتني أن أتذكر شيئاً من رحلة الادب السعودي في رمضان فهي كثيرة والمقام لا يتسع ،ولكن أستطيع أن أقرأ من شعر شاعرنا الكبير محمد حسن فقي التي يقول فيها واصفا لرمضان. رمضان.. في قلبي هماهم نشوة من قبل رؤية وجهك الوضّـــاءِ وعلى فمي طعمٌ أحسّ بأنــــــــه من طعم تلك الجنة الخضراء الأدب السعودي، وخاصة الشعر تناول روحانية الشهر الكريم، ونجد ذلك واضحا في شعر الشعراء السعوديين الكبار من أمثال حسين عرب وحسن عبدالله القرشي وحسين سرحان وسالم باعطب، حيث أنشدوا قصائد رائعة حول الشهر الفضيل. * مسرح الأدب ويتحدث المحاضر بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية الشاعر جبران بن سلمان سحاري عن جذور الاهتمام بشهر رمضان في تراث الأدب العربي، حيث نصوص جمّة تتحدث عن شهر رمضان كبعض القصائد المشهورة لابن الصباغ الجذامي، وابن حمديس الصقلي، وابن دراج القسطلي، وابن قلاقس اللخمي، والصنوبري والبهاء زهير والأرجاني وغيرهم. ويضيف: وفي العصر الحديث أمثال أحمد شوقي أمير الشعراء ومحمود حسن إسماعيل ويوسف النبهاني وغيرهم. وأمّا في الأدب السعودي فنجد له حضوراً وتميّزاً لدى الشاعر محمد بن علي السنوسي وعبدالقدوس الأنصاري ومحمود عارف وحسين عرب ومحمد حسن فقي وعلي بن محمد العيسى وأحمد سالم باعطب وغيرهم. كما نجد عند بعضهم استلهامَ معاني شهر رمضان في الفخر والمديح والغزل والهجاء والرثاء والوعظ والدعوة الإسلامية وغير ذلك. فمثلاً:الشاعر السعودي محمد بن علي السنوسي يُتحِفنا بقصيدة شعرية رائعة عن رمضان، وهي التي يقول في أبيات منها: رمضان يا أمل النفو س الظامئات إلى السلام يا شهر بل يا نهر ينــــهل من عذوبته الآنام. ومن ذلك أيضاً قول الشاعر والأديب عبد القدوس الأنصاري في قصيدته (ترحيبية برمضان): فأنت ربيع الحياة البهيج تُنضِّر بالصفو أوطانها فأهلاً وسهلاً بشهر الصيام يسُلُّ من النفس أضغانها وأمّا الشاعر حسين عرب فيُطلّ علينا بقصيدته (بشرى العوالم) وقد كانت تُدرّس في المناهج وهي مشهورة ومطلعها: بشرى العوالم أنت يا رمضان هتفت بك الأرجاءُ والأكوانُ . وقال الشاعر السعودي المعاصر علي بن محمد العيسى معارضاً قصيدة شوقي: رمضان ولّى هاتِها يا ساقي جرعات زمزم والكُتّابرفاقي آيٌ من القـرآن تشرح صدرنا وحـديث من يثني على الأخـلاق وقال الشاعر المعاصر الدكتور عدنان النحوي: رَمَضـانُ أقْبِـلْ! لم تَزلْ تهفو إِلى لُقْيـاكَ أَحْنـاءٌ تئِــنُّ و تُشْفِـقُ ولي قصيدة في هذه المناسبة بعنوان (أعظم موسم) قلتُ فيها: لاح الهلال لنا ببشرى مغرم بقدوم شهر الصوم أعظم موسم فتهلّلت منه أساريرُ الهدى وغدَت تهاني الرَّكبِ مائدة الفم وختم سحاري قائلاً:لا زال هذا الموسم مسرحاً للأدب والشعر الجزل ،وذلك أن الشعر يكشف ما يشعر به المؤمن تجاه دينه ووطنه ومجتمعه وممارساته، وهذا كثيرٌ في الأدب السعودي. * أفضل الليالي ويؤكد الروائي والقاص حسن الشيخ على قدسية الشهر قائلا: شهر رمضان المبارك أيامه أفضل الأيام ولياليه أفضل الليالي، ولا شك أن الأديب السعودي تحديداً وهو يستقبل هذا الشهر الكريم، وهو بقرب بيت الله العتيق أو بجوار المسجد النبوي يستشعر فضل هذا الشهر الكريم، فهو شهر عمل وعبادة، ويستشعر الجانب الروحي في هذا الشهر. ويضيف: الأدب السعودي، وخاصة الشعر تناول روحانية الشهر الكريم، نجد ذلك واضحا في شعر الشعراء السعوديين الكبار من أمثال حسين عرب وحسن عبدالله القرشي وحسين سرحان وسالم باعطب، حيث أنشدوا قصائد رائعة تنضح روحانيّة الشهر الكريم. ويؤكد الشيخ إن شهر رمضان المبارك لا يزال إلى اليوم له روحانيته في نفوس الشعراء المعاصرين من امثال زكي السالم وجاسم الصحيح وعلي مكي الشيخ الذين كتبوا أحلى قصائدهم خلال الأيام والليالي الرمضانية المباركة، وأثر الشهر الكريم في مشاعرهم واحاسيسهم، وقربهم إلى مرضاة الله. ويختم الشيخ مشيراً إلى أنّ للشهر الكريم حضوراً في الرواية والقصة السعودية لا يحضرني الآن نماذج من الأعمال التي تناولت الشهر الكريم ولكن أنا شخصيا لي إحدى القصص القصيرة التي تناولت أجواء الشهر، كما أن شهر رمضان فرصة مناسبة للكتابة والقراءة الأدبية والفكرية المركزة. * غياب الانعكاسات وعلى عكس من سبقها تُرجِّح القاصّة شمس علي عدم وجود أثرٍ ملموس أو شبه غياب للتجلِّيات الروحية للشهر الفضيل في الأدب السعودي بوجه خاص والعربي بشكل عام، وترى أن هذا نتيجة أن العديد من الأدباء يتعاملون مع هذا الشهر الفضيل رغم فرادته وتعدد أبعاده، ببعده الديني فقط، فينظرون إليه على أساس أنه فريضةٌ دينية مثلها مثل فريضة الصلاة، وغيرها من الفرائض الإسلامية التي نادراً ما يتم التطرّق من خلال النصوص الأدبية الحديثة لوهجها وأبعادها وانعكاساتها الروحية على الفرد والمجتمع، أو حتى يتم الإشارة إليها بتجرد، بسبب محاولة النأي بالأدب عن كل ما يسِمُه بالسِّمة الدينية،كما يعتقد البعض، رغم أن عددا من الأدباء هم حريصون على أن تتوافق مطالعاتهم وقراءاتهم في هذا الشهر مع روحانيته، فنجدهم يقرأون كتب التفاسير والكتب الإسلامية والتاريخية، لكن في النهاية يدهشنا أن لا انعكاس يذكر نجده فيما بعد على ما يكتبون. ولكن شمس علي تنأى بنفسها عن التعميم قائلة: لايمكن التعميم إذ أن ثمة نصوص أدبية احتفت بشهر رمضان بصورة أو بأخرى، ومحليا هناك مثلا نصوص بعض الرواد مثل: عبد القدوس الأنصاري، محمود عارف، محمد حسن فقي، أحمد سالم باعطب. * شحن روحي أما القاصة عقيلة آل حريز فتؤكد أهمية الهوية الروحية للشهر الكريم لتجديد معنويات الكاتب قائلة :إننا في ممارسات حياتنا اليومية تتعرض قلوبنا وأرواحنا للصدأ والتلف، نتيجة تبعات الحياة وما نقترفه فيها من آثام، تُبعِد أرواحنا عن هويتها الشفيفة، لهذا تعتريها حالة من الصدأ بشكل مستمر أثناء مواجهتنا لوقائع الحياة اليومية، ولابُدّ من إزالة هذا اللين، وتجديد قلوبنا وغسلها وإلا لتعرضت أرواحنا للعتمة وانتفت منا إنسانيتنا. وتضيف: الإنسان معنويا ضعيف إن لم يعوّض حالة التلف المستمرة بالأثر الروحاني الذي يغترفه من شهر رمضان بالمناجاة والأدعية والإنصهار في أوردة هذا الشهر الفضيل، بصيغه وتفاصيله لتقوي من عزيمته وتحمله وصبره في مواجة صعوبات ومشاكل الحياة العديدة. وتؤكد آل حريز أنّ الأديب حارس على تخليد هذا الشهر بفضائله وبما تختزنه أدواته من أثر. وفي أي أدب ينتمي لجماليات العلاقة بالله، في كل ناصية منه تحمل أدب مشرباً بالإيمان، يمنح كاتبه لذة تتسرب نحو تفاصيل هوية الأديب لتضيء أبراجه، وتُعرف بشخصيته التاريخية والدينية. والأديب لا يخرج عن جلبابه الديني والروحاني الذي يصطبغ به ليعلن هويته. وتشير آل حريز إلى أنّ كل الأعمال السردية والفكرية والشعرية التي ينتجها الأديب يمكنها أن تتسربل بطابع الحياة الروحانية فلا ينفصل عنها تماما، وإن كان هذا الشهر لم يصلح في ذات الأديب شيئا فتُتَرجمه أدواته، فقد بخَّس نفسه وموهبته الكثير من روائع هذا الشهر.