منذ أن وعيت على هذه الدنيا علمت بأني أعاني من مرض اسمه "السكلر"، مؤلم للغاية في بعض الأحيان، تحملته كطفله ثم كامرأة ، كبرت وتعايشت معه ولم أرضى يوماً بأن يكون هذا المرض حجر عثرة في مسيرة حياتي التعليمية والعملية والأسرية، ولم أشعر يوماً بالخوف عندما كنت طفله ولا شابة من هذا الألم، كنت دائماً مطمئنة بأنني سأجد العلاج والاهتمام الكافي لتجاوز كل نوبة ألم، الاهتمام من الأهل والأصدقاء والاهم على الإطلاق الرعاية الطبية من الدولة حيث كمواطنة أستحق الحصول على العلاج الطبي الصحيح لتجاوز الأزمة الصحية التي دائماً كانت تكون مؤقتة، أعود بعدها للانطلاق في الحياة بدون أن أنظر إلى الوراء. الخوف عرفته فقط عندما كبرت وقبل سنتين بالتحديد عندما تم تطبيق نظام "البرتوكول" الذي ينص على عدم إعطاء مسكن قوي للألم لمدة 8 ساعات ثم تم خفض ذلك إلى 4 ساعات،، شعرت بالرعب بما تعنيه هذه الكلمة من معنى، الرعب من الألم الحاد الذي يصعب تحمله هذا عدا عن قرار عدم استقبال حالات سكلر من المستشفيات العامة إلا في مستشفى السلمانية وأي مستشفى آخر يرفض استقبالك ويطلب منك التوجه فقط إلى مجمع السلمانية، عندها فقط تعرفت إلى شعور الرعب وعدم الأمان والخوف، الخوف من لحظات الضعف البشري نتيجة الآلام الحادة. وكل مرة كنت أذهب فيها الى قسم الطوارئ كنت أشعر بالاستهداف وكأن أحداً يرغب في تعذيب مرضى السكلر والإمعان في زيادة آلامهم وساعات شقائهم، وكنت أتساءل لماذا وأي بروتوكول يتكلمون عنه وهل تجوز أي (فتوى) طبية لأي مركز طبي ليمارس تعذيب مرضاه؟ وبسبب ذلك حاولت التعرف إلى جمعية البحرين لأمراض الدم الوراثية والى رئيسها السيد زكريا كاظم وعلمت بالمجهود الطيب الذي يقوم به وأعضاء آخرون للجمعية بالتواصل مع كل الجهات لتغيير هذا البرتوكول القاسي والجميع مشكورين على ذلك. كنت أعلم أيضاً عندما كنت أعمل مهندسة في وزارة الأشغال أن هناك مركز خاص يبنى في مجمع السلمانية لأمراض الدم الوراثية وتأملت خيراً كمرضى كثيرون غيري.سيكون لنا مركز خاص سيكون بمثابة مجمع خاص يحتوينا في أضعف لحظاتنا البشرية، وانتظرت بفارغ الصبر أن ينتهي بنائه ليستقبلنا ولكن كما يقول المثل الشعبي "يا فرحة ما تمت"، انتهى بناء المركز وافتتح رسمياً لنفاجأ بأنه لا يكفي للعدد الكبير من المرضى وأنه تنقصه الكثير من التجهيزات ولا يوجد الطاقم الطبي الكافي والمؤهل لعلاج الأعداد الكبيرة من المرضى! وأن أجنحته وأقسامه استطاعت بصعوبة أن تحتوي نسبه فقط من المرضى الرجال وليس النساء!(كالعادة يبدو لا عزاء للنساء في مجتمعنا). وعاد شعور الخوف والرعب وعدم الأمان يحتويني،، هل يعقل بعد هذا العمر والعمل الجاد في مهنتي كمهندسة عملت على تصميم وبناء العديد من المباني العامة والخاصة أن لا أجد في وطني المركز الطبي الذي استطيع اللجوء إليه مع آلامي! في أواخر شهر ابريل الماضي، تعرضت لنوبة سكلر حادة لم تكن عادية وأخذت منحى آخر من إشكالات ومضاعفات جديدة للمرض استمرت أكثر من 5 أسابيع دخلت على أثرها مستشفى السلمانية وخرجت 3 مرات متتالية كانت كافية لأن أستعرض فيها الكثير من المشاهد المتعلقة بالمرض نفسه وبروتوكولات العلاج الذي تلقيته و بمرضى السكلر الذين يترددون على المستشفى وخلصت إلى الآتي: مشكلة السكلر ليست بسيطة ولها عدة جوانب والمسئول عنها الجميع، الدولة أولا وأفراد المجتمع ثانياً والمرضى أنفسهم ثالثاً. هي أزمة طبية وطنية حقيقية مستمرة منذ أكثر من خمسين عاماً تقريباً منذ أن اكتشف وجود هذا المرض في البحرين في أواخر الستينات لم تحل لليوم رغم كل الجهود الذي قامت بها الدولة لتقديم العلاج والرعاية الطبية وفرض الفحص الطبي قبل الزواج ويعاني منها 20 في المئة تقريباً من المواطنين كمصابين أو حاملين للمرض والحل بالنسبة للدولة ليس صعباً أو بعيد المنال، الحل يتطلب رغبة جادة من المسئولين لوضع إستراتيجية للقضاء على هذه المشكلة خلال سنوات محددة من أجل خلاص الأجيال الجديدة القادمة. هذه الاستراتيجية يجب أن تبدأ أولاً بتخصيص وتدريب طاقم طبي كافي وتأهيله للعناية بأعداد المرضى المتزايدة. بالإضافة إلى تجهيز المبنى ليكون مركزا طبياً على مستوى عال وربط هذا المركز تقنياً وطبياً بالمراكز العالمية الموجودة في الدول المتقدمة خاصة الولايات المتحدة الأميركية حيث ينتشر هذا المرض. أن التكاليف التي تتكبدها الدولة لعلاج مريض واحد كبيرة وقد لمست هذا بوضوح هذه المرة.هذه التكاليف لو جمعت لتنفق في اتجاه واحد رئيسي لتكفلت بكل ما يمكن أن تكلفه الاستراتيجية الجديدة للقضاء على انتشار مرض السكلر في البحرين. ثانياً العمل على توفير برامج توعوية مكثفة لأفراد المجتمع توضح كيفية انتشار هذا المرض بالتزاوج وخطورة ذلك على الأطفال من خلال وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي ومن خلال مؤسسات المجتمع المدني كالجمعيات الأهلية والمراكز الاجتماعية. وللمصابين به كيفية الوقاية من نوباته من خلال تجنب المسببات الرئيسية لها ومن خلال الالتزام بأسلوب حياة ونوعية غذاء تساعد على ذلك. المسئولية الثانية تقع على عاتق أفراد المجتمع، فكل مرة اضطررت فيها في أزمتي الأخيرة للتوجه إلى جناح "C" في قسم الطوارئ الصغير والمخصص لمرضى السكلر كنت أدهش (رغم آلامي) لأعداد المرضى الذين يغص بهم هذا الجناح، المحظوظ منهم من يفوز بسرير أما الأقل حظاً فيكتفي باجتراع آلامه وهو على الكرسي المتحرك أما البائس منهم فيظل واقفاً يستعطف الدواء المسكن من الممرضة. الكثير من هؤلاء المرضي مراهقين وشباب أتألم لسماع تأوهاتهم وآلامهم على يميني ويساري في الجناح، وأتساءل كيف أصيبوا بهذا المرض؟ كيف يقبل أب أو أم أن يبتلي أبناءه وهو يعلم باحتمال إصابتهم لقيامهم بالفحص الطبي الإجباري قبل الزواج بهذا المرض المؤلم ليعانوا منه ويعاني هو أيضا معهم؟ ومن يرضي هذا؟ أيضاً السؤال يوجه إلى شيوخ الدين الذين يعقدون القران، كيف البعض منهم يوافق على عقد القران قبل أن يرى ويتأكد من شهادة الفحص الطبي؟ وهل يجوز ذلك؟ ألا تقع جزءأ كبيرا من المسئولية عليهم؟ لا يكفي أبدا أن نطالب الدولة بالوفاء بمسئولياتها ولا نقوم بواجباتنا ومسئولياتنا كأفراد نلتزم بنتائج الفحوصات الطبية قبل الزواج وعدم الارتباط بين شخصيين مصابين أو حاملين للمرض. المسئولية الثالثة تقع على بعض مرضى السكلر الذين يعطون مثلاُ سيئاً جداً لمرضى السكلر جميعاً من خلال ممارسات سلبية يقومون بها في أجنحة وممرات قسم الطوارئ ويلصقون بمرضى السكلر تهم بغيضة اقلها على الإطلاق الإدمان على المسكنات.هذه الفئة بحاجة إلى رعاية وعناية تربوية ومجتمعية حتى يتوقفوا عن هذه المظاهر الكريهة. رسالتي هذه أوجهها "ناقوس ألم وأمل"إلى كل من يعنيه الأمر من مسئولين وأفراد مجتمع ومرضى وكما بدأت حديثي خوفي من أن أصبح مجرد رقم ضحية لمرض السكلر في جريدة هو الذي دفعني لتوجيهها أمله أن تجد الصدى الصحيح ولن أنسى في ختامها أن أوجه الشكر الجزيل للطاقم الطبي الذي ساعدني هذه المرة على اجتياز المرحلة الحساسة التي مررت بها وعلى رأسهم د. عبدلله العجمي ود. عبد الجليل عشيري ود.علي الأحمد وممرضات جناح 62 وجناح 413 للاهتمام الجيد الذي أولوني إياه. غادة حميد المرزوق