جرت العادة لدى بعض الأسر والمجتمعات في المملكة على تحديد يوم قبل بداية الشهر الكريم يجتمعون فيه سنوياً لممارسة موروثات شعبية، حيث يكون ذلك قبل دخول شهر رمضان المبارك بيوم أو يومين، ويُمثِّل هذا اليوم، وهو ما يُعرف بيوم "التقريش" بالنسبة لهم فرصةً مناسبة لتبادل التهاني والفرح بقدوم هذا الشهر الفضيل، حيث يجتمع أفراد العائلة الواحدة أو أهل الحي الواحد في مكانٍ يتمّ الاتفاق عليه للاستمتاع بتقريشة رمضان. واعتادت بعض الأسر السعودية الاتفاق فيما بينهم على أن يتولى النساء إعداد بعض أنواع الأطباق وحمل الاطعمة والمأكولات والذهاب بها لبيت كبير العائلة أو الحي للاحتفاء بهذا "الكرنفال" الروحاني والمشاركة فيه. وتجدر الإشارة إلى أنَّ النساء حتى وقتنا الحاضر هنَّ من أوجدن هذه العادة، وذلك بدافع من الرغبة بالاحتفاء بقدوم شهر الصوم، إلى جانب خشيتهنَّ من تلف بعض الأطعمة، وبالتالي الإفادة منها قبل شهر الصوم، خاصةً في هذه الأيام التي ترتفع فيها درجات الحرارة في معظم مناطق المملكة ويكثر معها فساد الأطعمة. ذكريات جميلة وقالت أم ماجد: "تُعدُّ الأيام الأخيرة من شهر شعبان بالنسبة لنا كأسر سعودية أياماً مميزة، حيث نجتمع فيها للالتقاء ببعضنا البعض، مُضيفةً أنَّ هذا اليوم بالنسبة لها يُعدُّ بمثابة فرصة سانحة لها ولأفراد العائلة لاسترجاع جزء من الذكريات الجميلة، موضحةً أنَّ بعض الأسر تجتمع ببعضها في الاستراحات أو المنازل، حيث يتناولون الوجبات المُخصَّصة لهذه المناسبة ممَّا تُعدّه بعض النساء بأنفسهنَّ في المنزل، إذ يتمُّ صنع بعض الأطعمة الشعبية والوجبات المُفضلة. وأضافت أنَّ من الوجبات الشعبية الخاصة بهذه المناسبة: الجريش والمرقوق والمطازيز والكبيبة والفريكة والقشدة والكبسة الشعبية، مشيرةً إلى أنَّ ما يُميِّز هذا اليوم هو الإقبال الشديد على بعض الأطعمة والمشروبات الشعبية التي تعدّها النساء، إلى جانب بعض المأكولات الحديثة التي يُفضّلها الشباب. موروث شعبي وأوضحت أم محمد أنَّ يوم "التقريشة" من الموروثات الشعبية التي لا زالت بعض الأسر السعودية تحتفظ بها وتحييها حتى يومنا هذا، مُضيفةً أنَّ البعض يلتزمون في هذا الاجتماع العائلي بارتداء الزيّ الشعبي، لافتةً إلى أنَّ هذا اليوم المُميَّز يُعدُّ أيضاً فرصة مناسبة لأفراد الأسرة وأهل الحي للتخلُّص من كثير من المشاحنات والخلافات التي تظل قائمةً أحياناً لمدة تصل إلى عام كامل، حيث يجتمعون في مكان واحد وعلى سفرة واحدة يتبادلون التهاني والتبريكات بقدوم شهر الصوم. عادة سنوية وبيَّنت مشاعل الشبرمي -طالبة جامعية- انه كل عام تُودّع المجتمعات العربية والإسلامية شهر "شعبان" مستقبلة شهر "رمضان" الكريم، وذلك بإقامة يوم "التقريش"، الذي تُنظِّمه –عادةً- النساء، حيث يجتمع فيه أهل الحارة أو أفراد العائلة الواحدة، موضحةً أنَّ هذه العادة السنوية توارثها الآباء عن الأجداد، ثمَّ انتقلت للأحفاد، وعادة ما يبدأ يوم "التقريش" بالالتقاء على غداء أو عشاء تُعدّه الأمهات. وأضافت أنَّ البعض يمارسون في هذا اليوم بعض الممارسات الشعبية الفريدة من نوعها، سواءً من حيث اللباس أو الاحتفاء بهذه المناسبة بشكل خاص، وذلك عن طريق توزيع بعض الوجبات الشعبية الرمضانية على الكبار والصغار، مُشيرةً إلى أنَّها تجتمع هي وزميلاتها في منزل احداهنّ لإحياء هذه العادة السنوية بشكل خاص فيما بينهنّ في يوم يتم الاتفاق عليه مسبقاً. زيادة التواصل وأكَّدت عبير الشمري –موظفة- على أنَّ "التقريشة" مناسبة معروفة منذ زمن طويل، مُضيفةً أنَّها عادة أصيلة ترمز إلى الكرم والتواصل بين أفراد المجتمع، موضحةً أنَّها تجمع الأهل والأقارب قبيل دخول شهر "رمضان" المبارك، حيث يتمّ خلالها إعداد الطعام في البر أو الاستراحات، أو في المنازل حينما يكون الجو حاراً، مُبيِّنةً أنَّه تمَّ إطلاق اسم "التقريشة" على هذه المناسبة لاجتماع الأكل والتعاون بين المشاركين. ولفتت إلى أنَّ كل أسرة من الأسر المشاركة في هذه المناسبة تُحضر معها نوعاً من الطعام، مُضيفةً أنَّ هناك من يجلب التمر، وهناك من يجلب القهوة والشاي، إلى جانب من يجلب الحلوى.. وهكذا، موضحةً أنَّ إحدى الأسر تتولى إعداد وجبة العشاء، التي غالباً ما تكون عبارة عن ذبيحة كاملة، أو أن يتمّ الاتفاق على أن تُحضر كل أسرة معها نوعاً محدَّداً من الطعام، مؤكِّدةً على أنَّ هذه المناسبة تُقرِّب النَّاس من بعضهم البعض، وتُسهم في زيادة التواصل بينهم في شهر الخير. صلة الرحم وأشارت هيفاء المطلق –موظفة- إلى أنَّ يوم "القريش" هو يوم الفرحة بقدوم رمضان، خاصةً للفتيات والنساء بشكلٍ عام، حيث اللقاءات وتبادل الزيارات، مُبيِّنةً أنَّ هذه المناسبة جزء من الموروث الشعبي المحلي في العديد من مناطق المملكة، حيث يتمّ تنظيمه في آخر أيام شهر شعبان، وذلك احتفاء بقدوم الشهر الفضيل واستعداداً لبدء صيامه، موضحةً أنَّ أفراد العائلة الواحدة يتناولون طعامهم بطريقة رمزية كآخر وجبة قبل بداية شهر الصوم. وقالت: "إنَّ أغلب الأسر تحرص دوماً على إحياء العادات والتقاليد القديمة، ومن بينها الاحتفال بيوم (القريش)، وهو يوم رؤية هلال شهر رمضان المبارك، سواءً صادف ذلك آخر أيام شهر شعبان بالفعل أم لم يصادفه، وذلك حرصاً على الاحتفال بهذا اليوم، حيث يستعد كثير من العائلات في هذا اليوم، الذي قد يكون الأخير في شهر شعبان"، مُضيفةً أنَّ بعض الأسر اعتادت على حمل أنواع مختلفة من الأطعمة المتوفرة في المنزل والذهاب بها إلى بيت كبير العائلة أو أحد الأقارب. وأوضحت أنَّ "القريش" عادة قديمة لدى الأهالي، مُبيِّنةً أنَّه يوثِّق عُرى المحبة والألفة والتواد وصلة الرحم والتعاون، وهو ما جعله الأهالي عنوان استقبالهم للشهر الكريم، خاصةً أنَّ الله –عزَّ وجلَّ- قد منَّ عليهم ببلوغ شهر رمضان المبارك. إسراف كبير وبيَّنت خيرية الزبن -أخصائية اجتماعية بجامعة حائل، وعضو الجمعية العمومية بنادي حائل الأدبي- أنَّ "التقريشة" أو "القرش" -كما يُطلق عليه في التراث- عبارة عن عادة اجتماعية قديمة متوارثة من الأجداد في بعض مناطق المملكة، مُضيفةً أنَّها عبارة عن اجتماع الأهل والجيران عل عدة أطعمة منوعة، حيث كانت النساء قديماً يطهينها في البيوت، وكان الهدف منها اجتماع الأهل والأقارب للاستعداد واستقبال شهر رمضان المبارك، وغالباً ما تكون في نهاية شهر شعبان وقبل قدوم رمضان بعدة ليالي. ولفتت إلى أنَّه مع مرور الزمن والتطوّر السريع وظهور المدنية الحديثة استمرت هذه العادة ولم تندثر، بل إنَّ كثير من الأهالي يحرصون على تنظيمها، مُضيفةً أنَّ أُدخل عليها كثير من التطوّرات وإسراف كبير في الأطعمة، حيث تحوَّلت هذه العادة من معناها السامي المُتمثِّل في اجتماع الأهل والأصحاب والجيران عل طبق واحد لاستقبال الشهر الكريم والتهنئة به إل مبالغة كبيرة وإسراف، ممَّا جعل هذه العادة تبتعد عن معناها الحقيقي. وأضافت أنَّه بدلاً من إقامتها في المنازل أصبحت عادة "التقريشة" الآن تُقام خارج البيوت، حيث يتمّ حجز الاستراحات والمطاعم أو الاستعانة ببعض الأسر المنتجة في إعداد الوجبات وأنواع كثيرة من الأكلات والبوفيه المفتوح، لتصبح بذلك مظهراً من مظاهر التفاخر والإسراف المبالغ فيه، مُشيرةً إلى أنَّ هذه العادة لم تعد تقتصر عل الأهل والأقارب، بل تطوَّرت بين النساء بشكل كبير لدرجة إقامتها في أماكن عملهنَّ بين الزميلات.