في نهاية العام الدراسي 2005، دعت جامعة "ستانفورد" الأميركية العملاقة، ستيف جوبز، ليلقي ما أسموه "خطاب ضيف الشرف" في حفل التخرج أمام آلاف الطلاب في صباح استثنائي. ومع الزمن تحولت كلمة ستيف جوبز إلى حالة إلهام لملايين الشباب الأميركي وإلى قدوة أخاذة في الطريق إلى "الحلم الأميركي". مساء ما قبل البارحة استمتعت بفيلم وثائقي يتحدث عن "إلهام" خطاب ستيف جوبز أمام طلاب جامعة. انتهيت من متابعة الفيلم لأبدأ رحلة الكشف عن تأثير هذا الخطاب الشهير في أحلام وآلام وآمال مجتمعات وأمم.. باختصار شديد: هو خطاب يشرح رحلة العصامية من الفشل الذريع إلى النجاح المكتمل. طفل من أب سوري وأم أميركية فلا يكاد يحبو إلا وقد وجد نفسه في بيت عائلة بالتبني. شاب يدخل جامعة "متشجان" فلا يكمل بها فصلين دراسيين إلا وقد وجد نفسه "مطرودا" خارج أسوار الجامعة. وفي الثلاثين من العمر يقرر مجلس إدارة شركة "Apple" طرده من مجلس إدارة الشركة، لكنه يعود إليها في سن الأربعين من الباب الكبير لا ليأخذها فحسب إلى النجاح من جديد، بل ليغير حياة كل هذا العالم من حوله لأنه هو الإلهام الذي تحمله في جيبك "جوالا" أو على مكتبك في كل مكان كتطبيقات برامج الحاسوب. اكتشفت في البحث الإلكتروني أن ذلك الخطاب الشهير في حفل تخريج طلاب جامعة أميركية قد تحول إلى عشرات الأفلام الوثائقية ومئات المقالات وآلاف التجارب الإنسانية التي تحولت بفضل هذا الخطاب إلى نجاح كامل من قاع فشل مكتمل، ومن هنا سأكتب ما يهمنا، وهنا، من العبرة والعظة: نحن تابعنا وشاهدنا وقرأنا في الشهر الأخير احتفالات تخرج لما يقرب من 30 جامعة سعودية وكلها نسخ مطبوعة من كلمات الطلاب والعميد وصاحب المعالي وكلها تنتهي بقصيدة شعبية عصماء لإلهاب الكفوف والحناجر. خذ مثلا: لم تفكر جامعة سعودية واحدة في أن تدعو العملاق الدكتور ناصر بن إبراهيم الرشيد، المولود في دمشق، الذي يكتشف بعد 50 سنة قبر والده في أحد أحيائها يوم كان والده القنصل السعودي في الشام، وكيف بنى هذا الرجل العصامي سيرته الذاتية ليدخل أرقى جامعات الدنيا في الهندسة ثم يتحول فيما بعد إلى عالم المال والأعمال، وتحت عصاميته المذهلة تعيش اليوم مئات الأسر السعودية. لم تفكر جامعة بدعوة الاستثنائي محمد بن حسين العمودي ليعرض أمام طلاب الجامعة تجربة فرد سعودي كان يحلم في طفولته بمفتاح منزل أو سيارة ولم تدعه جامعة سعودية في حفل تخرج كي يبعث ضوء الأمل ورسالة النور التي ستأخذهم إلى "الحلم السعودي"، مثلما كان هذا الأسطوري في سيرته الذاتية النبيلة. وخلاصة القول: نحن نريد من جامعاتنا رسائل الأنموذج والقدوة التي تزرع الطموح والأمل، لا هذا التنافس المخيف على استضافة "مفحط" تائب أو شاعر شعبي شهير في حفلات التخرج، نحن نريد خطاب الإلهام الذي يصنع النجاح.. وعذرا.. انتهت المساحة.