كيف يمكن أن تتقبل الحياة إذا اكتشفت أن عدوك من أهلك، وكيف تتصرف معه إذا كان يرى أن سوء الظن مبرر لإنزال أسوأ العقوبات بك، يشعر بأنك عبء عليه طالما هو يختلف معك، فضلا عن عدم تحمله أفعالك أو طريقة اختياراتك في الحياة، ويظن أن كل ذلك مسوغ وفق حق منحه لنفسه بالتصرف في شؤون حياتك، وتقدير احتياجاتك وتقنينها، حسب ما يراه وليس لما تريده أنت! بعد تصور هذا المشهد المخيف ستخطر ببالك إجابة مؤداها أن ذلك ليس من حقه، وأنك لن تسمح بأن ترهن حريتك ليتصرف فيها غيرك، وفق سلطة يتخذها لنفسه ويفرغ خلالها عقده النفسية عليك، وسأتفق معك على هذا الرأي، ولكن أود منك أن تتصور كيف عاشت امرأة جابهت أشكال الإيذاء من إخوتها الذكور حتى وجدت في اللجوء إلى دار الحماية حلا للشعور بالاحتواء، فتجد فيه الأمان أكثر من بيت أهلها بعد أن تلقت أصناف العنف كالضرب والحبس، ووصل إلى قتلها لأنها خالفت الرأي في اختيار زوج رأته مناسبا كما حدث مع قتيلة جدة. القوامة التي يدعيها البعض أفضت إلى التسلط والتعنيف، حتى تعارض هذا النمط واختلف مع القوامة الحقيقية في قيمتها الجوهرية، ومفهوم الاعتناء بالمرأة ورعايتها، ما أنتج كثيرا من التشوهات الإنسانية، إذ إن مبرر الغيرة هنا يقتضي عجز الرجل في توجيه انفعالاته وعواطفه إيجابا خلال التعامل، حتى إذا رفع شعارات الفضيلة والشرف غابت الأخلاق والإنسانية، في حال أن الدافع الضمني للتعسف هو النظرة التخوينية والاتهامية للمرأة، والتي تتعالى على إثرها معايير الرجولة كلما كانت الانفعالات أشد ضراوة، وفي الظاهر نحصل على ممارسات فوضوية لا توضع لها الحدود ولا تعد مسؤولة عما تفعل، فهل كانت هذه السلطة المطلقة التي يتمتع بها الرجال ضرورية لضبط المرأة حد احتقارها وانتهاك حرمتها الإنسانية إلى هذا الحد؟! إن التمييز الذي تعانيه المرأة، والتي قد تشارك في تكريسه ضد بنات جنسها أحيانا، يشمل جميع الأسس التي يقوم عليها الاحتقار بالتمثيل الوصفي الخاطئ الملصق عمدا بهويتها كامرأة، غير أن بناء الأجيال التي قد تجد حلا لتأكيد المشتركات الإنسانية كأسلوب في مقاومة التمييز ضد المرأة، يبدأ من استئصال هذا المرض والتخلص منه، فضلا على أن هذه الحالات المتكررة أصبحت تشكل وضعا مخيفا يهدد الأمن الاجتماعي، وهنا يأتي دور الأنظمة التي تتبنى حقوق النساء، كونها أثمن من أن تترك كخيار بيد أولياء تقع تصرفاتهم رهن التخمين والاحتمالات.