جاء تعليق الأمير فيصل بن تركي رئيس نادي النصر حول إيقاف ثلاثة من لاعبي ناديه بعد اشتباكهم مع الجماهير في نهائي كأس الملك مهماً في مضمونه وتوقيته، إذ قطع من خلاله الطريق على الجميع المناصرين قبل المناوئين، وانتصر فيه للوعي، وانحاز من خلاله للقيم، بعيداً عن المكاسب الضيقة إعلامياً وجماهيرياً. فيصل بن تركي وفي عز فورة الغضب النصراوية خرج ليقول بهدوء: "لاعبونا أخطأوا ويستحقون العقوبة، ربما تكون قاسية بعض الشيء خصوصاً مع سوء التنظيم بوجود الجماهير بالقرب من اللاعبين وما تعرضوا له من كلام مسيء جداً، لكن هذا لا يبرر ما حدث، فمهما كانت الإساءة فاللاعبون قدوة، ولا يفترض أن يردوا الإساءة بالإساءة" كان يمكن لرئيس النصر أن يصمت ولا يعلق لينسجم صمته مع التيار المعارض للقرار، أو أن يتأخر في الإدلاء برأيه، منتظراً هدوء العاصفة ثم يخرج ليسجل موقفه بعد أن يكون قد استثمر حالة التجييش الإعلامي، والهيجان الجماهيري، لكنه لم يفعل، ليؤكد بأن ما قاله كان موقفاً مبدئياً وليس تكتيكاً إعلامياً. في موقف رئيس النصر ما يعبر عن نضج ووعي يتجاوز مهمة الإداري إلى دور القائد، فهو في الوقت الذي رحب بالقرار، بكل ما فيه من اختلالات قانونية، وضعف في الإخراج، وذلك إدراكا منه بفداحة تصرف اللاعبين في ذاته وفي طبيعة المناسبة، ولأن الاعتراض أو حتى التبرير سيكون له ارتداداته الآنية والمستقبلية، خصوصاً مع ترصد المناوئين، لكنه لم يفوت عليه أن يبدي تحفظه على طريقة تكييف القرار، وفي ذلك رسالة مهمة لمن يعنيه الأمر. واحد من أهم المضامين التي حملها تصريح فيصل بن تركي إثبات قدرته على تجاوز ردات الفعل الإعلامية والجماهيرية التي يراد منها أخذه إلى نواصي الحماقة والجهل، إذ أكد بما لا يدع مجالاً للشك بأنه من يصنع المنظار الذي يرى منه الأمور، وهو أيضاً من يتخذ الزاويا المناسبة للرؤية؛ وهو ما جعل موقفه يكون بمثابة سهم انغرس بقوة في خاصرة المتطرفين في آرائهم والمتشنجين في مواقفهم، والذين أرادوا استثمار الحادثة في التصعيد، لاسيما ضد الأمير عبدالله بن مساعد في تصرف ممتلئ بالدناءة ومتشبع بالخسة. الزج باسم الرئيس العام لرعاية الشباب من قبل أولئك المتطرفين وفي هذا التوقيت تحديداً لم يكن تصرفاً ارتجالياً بل عمل مدروس ومخطط له إذ يراد منه التسويق لمظلومية النصر بالضغط على الأمير عبدالله وكافة المسؤولين الرياضيين بأسلوب يقوم على الترهيب والاستعداء، فجاء تصريح فيصل بن تركي المسؤول والمتسامي على المصالح الضيقة ليهدم ما خططوا له. في هذه الواقعة وفي غيرها يمكن تفهم ردود أفعال الجماهير بل وحتى تبريرها، ولكن كيف لنا أن نفهم ونبرر أفعال الإعلاميين، وهي تنحدر إلى أعمق درجات الإسفاف في الطرح، وتتهاوى إلى أبعد مستويات التعاطي المهني، وهو ما يجعلنا ننادي بحتمية محاصرة هذا التغول الإعلامي الخطير، ولن يكون إلا بالرهان على الوعي كما في تصريح رئيس النصر الذي يستحق بالفعل أن نقول له: شكراً بعد أن سجل هدفه الحاسم في مرمى التعصب، ما يستدعينا لمطالبة الأطراف المنافسة مقابلته في منتصف الملعب حين يأتي الدور على لاعبيهم!