محمد نجيم (الرباط) ------------------ أصدر الباحث المغربي مصطفى النحال كتابه الجديد: القدسي والدنيوي في السرد العربي. وفيه يحاول رصْد آليات الخطاب الرّحْلي في الثقافة العربية الكلاسيكية، سواء تعلّق الأمْر برحْلة مُتخَيَّلة أمْ حقيقيّة. يتوقفَ النحال عند شكليْن من أشكالِ هذا الخطابِ، ومن خلال تجربتيْن فريدتيْن في تراثنا العربي الإسلامي: تجربة متصوّف من القرن الثالث الهجري هو الحارث بن أسد المحاسبي البغدادي الذي كتب نّصّاً رحليّا مُتخّيلاً في اتجاه الجنة، رحلة عمودية نحو الفضاء القدسي، وتجربة رحالة وجغرافي من القرن السادس الهجري هو أبو حامد الغرناطي الأندلسي، الذي كتب رحلة دنيوية تصف الأمْصار الوسطية من خلال المكونات المختلفة لأدب الرحلات. ومن ثمّ، يسعى هذا الكتاب إلى إبراز الخيط الرابط بين أشكال رحلية ووصفية وسردية تتباعد ظاهريا من بعضها البعض، غير أنّ التحليل المتأني والمقارِن يبيّن أننا أمام بنية سردية ووصفية متماثلة تكشف عن تنازُع خفيّ وشفيف بين الرغبة والقانون. وليس هناك ما يبرز هذه الوشائج غير مفهوم المتخيّل في جميع تجلياته. ويرى المؤلف أن الرّحلة ليست فقط مشاهدة وملاحظة وسرد، وإنما هي، كذلك، استماع وإنصات لقصص وروايات ومشاهدات لأشخاص آخرين يلتقي معهم الرحالة، عن طريق الصدفة، أو بعد عودته من السفر. وإذا كانت الرحلة تميل إلى العجائبي، فلأن الذهاب في اتجاه المجهول يعتبر لحظة أساسية في اتجاه المغامرة الإنسانية. ومن ثم تقدم الرحلات، في الوقت ذاته، عدداً معيناً من المعطيات الواقعية، ونسبة لا يستهان بها من الأخبار العجيبة والغريبة وهكذا، فإن بنية السفر، في الرحلة، هنا، تقوم أساسا على القصدية، التي تعني، من بين ما تعنيه، تحديد تواريخ الذهاب والإياب، والانتقال والمشاهدة والتدوين. إن هيمنة بنية السفر. هي التي تجعل الباحث يميل إلى التمييز بين ما يعتبر رحلة وبين ما ليس كذلك. والرحلة، كذلك، تجربة ذاتية، ومعاناة خاصّة لتحقيق هدف معين كالذهاب إلى أداء مناسك الحجّ مثلا، كما هو الشأن بالنسبة لابن بطوطة، أو الذهاب لملاقاة شيوخ العلم، أو الخروج في مهمّة رسمية، كما هو حال ابن فضلان أو لإرضاء فضول شخصيّ. ومع ذلك، فإن الرحلة ذاتها تعتبر جنساً أدبياً مفتوحاً على مكونات وعلى أشكال تعبيرية متعددة، إنها بطبيعتها متعايشة ومشاركة للتاريخ والميثولوجيا والأدب فضلاً عن الإثنوغرافيا.