لندن: بيجن فرهودي تتجه إيران والمملكة المتحدة، تدريجيا، إلى استئناف العلاقات الدبلوماسية بعد عامين من التوتر شهدا غلقا متبادلا للسفارات بسبب عملية اقتحام السفارة البريطانية في طهران في نوفمبر (تشرين الثاني) 2001. ويأتي هذا التوافق بعد عدد من اللقاءات بين وزيري خارجية البلدين في مقر الأمم المتحدة، تبعها لقاء بين نائبي الوزيرين في جنيف منتصف شهر أكتوبر (تشرين الأول) الماضي. وقد تحدث موقع «الشرق الأوسط» باللغة الفارسية مع اللورد نورمان لامونت، الرئيس الحالي لغرفة التجارة الإيرانية–البريطانية، حول مستقبل العلاقات بين البلدين. وفيما يلي نص الحوار. * كيف ترى العلاقات بين المملكة المتحدة وإيران بعد النبرة الإيجابية التي بدت مؤخرا في لقاء وزير خارجية بريطانيا ويليام هيغ ونظيره الإيراني محمد جواد ظريف حول استئناف العلاقات الثنائية؟ - إنها أخبار سارة بالتأكيد أن يقوم البلدان بتعيين قائم بالأعمال غير مقيم، وهي خطوة من المأمول أن تؤدي إلى استعادة العلاقات الدبلوماسية الكاملة في الوقت المناسب. إنها خطوة إيجابية أتمنى أن تساعد في إيجاد حلول سريعة لبعض العوائق الإدارية المتعلقة بقضية تأشيرات السفر بين البلدين، لكن الأهم أن نتمنى جميعا أن يكون ذلك التحرك هو الخطوة الأولى في الرحلة الطويلة نحو تحسين العلاقات بشكل عام. * يتحدث البلدان في الوقت الراهن عن تبادل القائمين بالأعمال، وكما تعرف فقد مرر البرلمان الإيراني، قبل غلق السفارات، قانونا يقلل التمثيل الدبلوماسي الإيراني في بريطانيا إلى مستوى القائم بالأعمال، فهل تعتقد أن إيران سترفع مستوى التمثيل إلى السفير، وإذا كانت هناك نية فمتى يحدث ذلك برأيك؟ - لا أعرف كيف سيقرر البرلمان الإيراني ذلك. لكنهم إذا لم يتخذوا خطوة رفع التمثيل الدبلوماسي، أعتقد أن ذلك سوف يمثل إشارة على التراجع من جانب المسؤولين الإيرانيين. بالطبع، يبدو مفهوما قلق الحكومة البريطانية وحرصها على الحصول على تطمينات أن أي دبلوماسي ترسله إلى طهران سيكون في أمان. فليس من الحضاري أن تقتحم سفارة، وينبغي ألا يتكرر ذلك مرة أخرى. * ما سبب وجود هذه الحالة الدائمة من انعدام الثقة بين حكومتي البلدين؟ - تعتقد إيران أن بريطانيا تتدخل في شؤونها الداخلية، وعلى الجانب الآخر تعتقد بريطانيا أن إيران تقف خلف التوتر في المنطقة، لكن الأدهى أن الشعب الإيراني يعتقد أن بريطانيا كانت وما زالت تتلاعب برجال الدين وتستخدمهم لصالحها. بمعنى آخر، تبقى بريطانيا محل شك من الحكومة الإيرانية والشعب الإيراني. ينتابني شعور بالحيرة حيال الاعتقاد السائد في إيران بأن بريطانيا تتدخل أو أن لها نفوذا كبيرا في البلاد. وهناك مزحة تقول إن الإيرانيين هم الشعب الوحيد الذي يعتقد أن بريطانيا لا تزال قوة عظمى. نحن لم نعد الإمبراطورية التي كانت في القرن الـ19، ولا يوجد أحد في بريطانيا يريد أن نعود إلى ذلك العهد مرة أخرى، كما أن بريطانيا لا تتدخل في الشؤون الإيرانية. ولا أعتقد أنه يمكنني التعليق على مسألة علاقة بريطانيا بالملالي خلال القرن الـ19، ولا أعتقد أنه توجد علاقة من ذلك النوع في الوقت الحالي. لقد شابت العلاقات البريطانية–الإيرانية بعض المشاكل بسبب الإرث التاريخي، بداء من الانقلاب الذي حدث ضد رئيس الوزراء الأسبق محمد مصدق، والدعم الذي كان يتلقاه الشاه، والتدخل الفعلي لبريطانيا في الشؤون الإيرانية في بداية القرن العشرين، وهي المواقف التي أعتقد أنها تقف وراء تعقيد العلاقة بين البلدين. المضحك هو أن إيران كانت خاضعة لنفوذ بريطانيا وروسيا، لكنها لم تكن على الإطلاق جزءا من الإمبراطورية البريطانية، وهو ما يعني أن العلاقات بين الدولتين لم تنقطع أبدا. فدول مثل الهند، على سبيل المثال، كانت جزءا من المستعمرات البريطانية، ثم حصلت على استقلالها وانتهى الأمر وتركت الفترة الاستعمارية وراء ظهرها. غير أنه لم تكن هناك مثل تلك البداية الواضحة لإيران مع بريطانيا. وخلاصة القول إنني على يقين من إمكانية قيام علاقات جيدة بين بلدين بالغين سياسيا كبريطانيا وإيران، وأتمنى أن أرى علاقات طبيعية بين الدولتين. * كيف يمكن التغلب على تلك الحالة من انعدام الثقة؟ - أعتقد أن ذلك الأمر يمكن أن يتحقق فقط بشكل تدريجي، وأرى ضرورة وجود إجراءات لبناء الثقة على المدى القصير. وتتمثل المشكلة الكبرى في البرنامج النووي، ونتطلع جميعا إلى سماع أخبار عن الجولة القادمة من المحادثات بين إيران ومجموعة «5+1». وتراودني سعادة غامرة بسبب قيام الرئيس الإيراني روحاني ووزير الخارجية ظريف بإرسال رسائل إيجابية بلهجة مختلفة للغاية عن الإدارة السابقة، بيد أن العلاقات التي ساءت بشدة في الفترة الماضية تخضع الآن لمرحلة الاختبار والدليل. يرغب الجميع في رؤية محادثات تتسم بالمزيد من الانفتاح والشفافية ويضفى عليها الشرف والتبجيل، ليس على المدى القريب فحسب، بل بصورة دائمة. ومن الواضح أن إيران، على الجانب الآخر، تبحث عن تخفيف العقوبات، وأعتقد أن هذا الأمر سيعمل على تحسين العلاقة ليس بين الدولتين فقط، ولكن أيضا بين الغرب وإيران بصورة أكثر عمومية. * ما هي الخطوات المحددة التي يمكن أن تتخذها المملكة المتحدة بصورة مستقلة، وكذلك جنبا إلى جنب مع الاتحاد الأوروبي، لتقليل العقوبات؟ - لن تفصل بريطانيا نفسها عن الاتحاد الأوروبي. فقد قضى الاتحاد الأوروبي الكثير من الوقت لتنسيق هذه الإجراءات، ولذا فإنني لا أتخيل أن تنفصل أي دولة عن الاتحاد الأوروبي. من الممكن نظريا أن يتخذ الاتحاد الأوروبي مسارا قد يكون مختلفا عن الولايات المتحدة الأميركية. وبالتأكيد، فإنني أظن أنه كان هناك دوما هدف للسياسة الإيرانية يتمثل في محاولة فصل الاتحاد الأوروبي عن الولايات المتحدة الأميركية. لا أعتقد أن هذا الأمر سيحدث بسبب أي اختلاف بين الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة، بيد أنه من الممكن أن تأتي مسألة رفع العقوبات في إطار زمني مختلف في أوروبا عما قد يتم في الولايات المتحدة الأميركية. * هل تعتقد أن الإيرانيين جادون فعلا في حل القضية النووية؟ - أجل، إنني أعتقد ذلك بسبب التأثير الكبير على مستويات المعيشة للأشخاص العاديين. لقد صارت احتمالية وجود التضخم أمرا عاليا للغاية، في حين أن الإحصائيات الحكومية تقلل من ذلك. ويعتبر معدل البطالة مرتفعا، ولا يعمل النظام المصرفي بصورة جيدة، كما أن التعاملات المصرفية الدولية صعبة للغاية. وهناك الكثير من الأسباب التي تقف خلف معاناة الاقتصاد الإيراني، لكن العقوبات تمثل دون شك جزءا من تلك المشكلة. أعتقد أن أكثر الأمور التي كانت تثير قلق الناخبين في الانتخابات على الأرجح حالة الاقتصاد، بيد أن حالة الاقتصاد والبرنامج النووي والعلاقات الإيرانية مع الدول الأجنبية قضية واحدة. ولولا المشكلة النووية لما صار الإيرانيون في مثل هذه الحالة الاقتصادية المفزعة. أعتقد أن الرئيس روحاني اعترف في الانتخابات بذلك الأمر، والمرشد الأعلى يوافق على ذلك، وهو ما جعله يمنح روحاني الضوء الأخضر للانطلاق واستكشاف ما قد يكون ممكنا مع الغرب، ولو على أساس تجريبي على أقل تقدير. * ما هي النظرة العامة تجاه إيران في البرلمان البريطاني؟ - حسنا، سأقول إن تلك النظر منقسمة. فالكثير من الشعب لا يعرفون إيران معرفة جيدة. والكثير من أعضاء البرلمان يذكرون فقط أشياء مثل نهب السفارة البريطانية، ومن المحتمل أن ذاكرتهم ما زالت تتذكر أزمة الرهائن مع الولايات المتحدة الأميركية أو الصيحات المتواصلة «الموت لأميركا» في صلاة الجمعة، أو أنشطة حزب الله. هذه هي الأشياء التي لا تساعد على خلق صورة جيدة لإيران في بلادنا. ويجب أن تضع نصب عينيك أنني على دراية جيدة بأن إيران قد تكون لديها بعض الأفكار غير الصحيحة بشأن بلادنا أيضا. * ماذا ستقول لأقرانك بشأن الخطوة القادمة تجاه إيران، وما هي النصيحة التي ستسديها لهم؟ - ستكون نصيحتي بأن نكون إيجابيين بشأن نتائج محادثات مجموعة «5+1»، وأن نكون غير متحفظين للاعتقاد بأن الرئيس روحاني مخلص وجدير بالثقة، حيث إنني أعتقد أنه مخلص، بيد أنني لست متأكدا إذا ما كان جميع زملائي يرون ذلك أم لا، كما أنهم لن يقتنعوا بالقليل من الابتسامات والرسائل البناءة. أعتقد أن روحاني صادق، لكنهم سيحتاجون إلى مزيد من الإقناع، كما أننا بحاجة إلى توجه بناء من إيران لفترة من الوقت. لا أعني بكلمة بناء مجرد أن إيران تفعل ما يريده الغرب. إنني أتفهم جيدا أن إيران لديها مصالحها التي يجب عليها دعمها، بيد أنني متأثر بشدة بما قاله روحاني بشأن وجود علاقات وطيدة مع كل الدول. * في حال البدء في رفع العقوبات، فما هو أول أمر تعتقد أنه سيُطرح على مائدة التفاوض؟ - إحدى المشكلات هي صعوبة رفع جزء من العقوبات. ويبدو الأمر بالنسبة لي أن العقوبات إما أن تكون موجودة أو غير موجودة. هناك عقوبات فرضتها الأمم المتحدة على فرد معين أو بنك معين. وما يؤرق إيران فعلا هو العقوبات المفروضة على قطاعي النفط والقطاع المصرفي والبنك المركزي، وهذه الأمور لا تقبل أنصاف الحلول. أعتقد أنه ربما يكون هناك رفع مشروط لبعض العقوبات لفترة من الوقت. ولا أعتقد بإمكانية حدوث أي شيء حتى نرى ما ستقوم به إيران إزاء الشفافية وتوقيع البروتوكول الإضافي (لمعاهدة حظر الانتشار النووي). * تمثل غرفة التجارة الإيرانية–البريطانية أكثر من 80 شركة، معظمها بريطانية، فماذا قالوا لك بشأن كل هذه الأمور، وما هي مصلحتهم في ذلك؟ - لقد كان أعضاؤنا البريطانيون، ومعظمهم يعرفون إيران، موجودين هناك، ولديهم تفهم أفضل للوضع مقارنة بالكثير من أعضاء البرلمان. وهم أقل تخوفا من إيران، حيث يرون إمكانية معاملة إيران كدولة عادية. وتحدو أعضاء «BICC» رغبة واضحة في رفع العقوبات لأن ذلك هو الأفضل بالنسبة لأنشطتهم التجارية. * أبدى بعض نواب البرلمان البريطاني اهتماما بالسفر إلى إيران في مسعى منهم للانخراط في حوار بناء مع نظرائهم الإيرانيين. لكن النائب بن والاس، رئيس اللجنة البرلمانية المختصة بالشؤون الإيرانية، قال إن طهران لم ترسل دعوة رسمية بهذا الخصوص.. فهل بإمكانك أن تطلب من الجانب الإيراني إصدار تلك الدعوة؟ - هذا ليس من صميم عملي، فأنا فقط عضو في البرلمان البريطاني. ولا شك أننا جميعا نأمل في أن يكون هناك نوع من التواصل مع إيران، لكن القضية ليست أن أسأل أنا ما إذا كان السيد والاس يستطيع الذهاب إلى إيران أم لا، بل ربما تكمن في أن يسألني السيد والاس إذا ما كنت أرغب أنا في الذهاب إلى إيران أم لا. * لكن أليست لديك علاقات جيدة بالحكومة الإيرانية بوصفك رئيس غرفة التجارة الإيرانية–البريطانية؟ - في الحقيقة، ليس لدي القدر الكبير من الاتصالات مع الحكومة الإيرانية، حتى إنني أعرف واحدا أو اثنين من أعضاء الحكومة الحالية منذ زمن بعيد، كما أنني ليست لدي اتصالات منتظمة بالمسؤولين الإيرانيين لأن العلاقات التجارية قد جفت فعليا بين البلدين. * على ذكر العلاقات التجارية، هلا تتفضل بسرد بعض الإحصائيات عن حجم التجارة الحالي بين بريطانيا وإيران؟ - حجم التجارة الإجمالي (بما في ذلك الصادرات والواردات) بين البلدين لا يتعدى نصف مليار جنيه إسترليني، وهو ضئيل جدا بالمقارنة بما كان عليه في السابق. لكن الأمر ينطبق أيضا على جميع دول الاتحاد الأوروبي، فقد علمت أن حجم التبادل التجاري بين إيران وألمانيا، والذي كان دائما يتخطى حجم تجارتنا مع طهران، قد انخفض بشكل درامي بنحو 80 في المائة. * البعض يعتقد أن غرفة التجارة الإيرانية–البريطانية تهتم فقط بالصفقات التجارية وتغض الطرف عن انتهاكات حقوق الإنسان التي تحدث في إيران.. ما ردك على تلك الانتقادات، وهل ربط الشؤون التجارية بمثل تلك القضايا (حقوق الإنسان) يأتي ضمن مهام غرف التجارة المشتركة؟ - أنا مهتم بوضع حقوق الإنسان في إيران مثلي مثل أي إنسان، أضف إلى ذلك اهتمامي بما يعانيه أولئك الذين يقبعون في السجون بمن فيهم نشطاء حقوق الإنسان وزعماء الحركة الخضراء. ورغم أن المهمة الرئيسة لغرف التجارة هي الاهتمام بالشؤون التجارية، فإن قضايا حقوق الإنسان تحتل جزءا كبيرا من اهتمامات السياسيين. وقد اطلعت على الخطاب الذي بعث به 500 مفكر، من بينهم 80 شخصا كانوا أو ما زالوا مسجونين، والذي أبدوا فيه ملاحظتهم بحدوث بعض التغيير في الأوضاع في إيران منذ انتخاب الرئيس روحاني، ويعتقدون أنه صادق في سياساته تجاه الغرب، ويشعرون بأن الغرب ينبغي أن يبادله التوجه نفسه، وأعتقد أن الأمور ستسير في هذا الاتجاه.