×
محافظة المنطقة الشرقية

في أي عمر تُكتب الرواية؟

صورة الخبر

تنجز مئات الرسائل العلمية الجامعية النوعية، وأقول مئات لأن العدد أكثر من ذلك بكثير على مدار أعوام في الجامعات العربية، وعلى مدار سنوات طويلة أيضاً بعد تحول الصروح الأكاديمية، في القليل منها، إلى مراكز إشعاع ثقافي معرفي يتخطى مفهوم التعليم إلى مفهوم أوسع.. الثقافة. ويعرف المثقفون العرب أن النموذج المغاربي، وتحديداً في المغرب، على الصعيد الأكاديمي هو الأكثر توجهاً إلى البحث الثقافي بمفرداته التاريخية والإنثروبولوجية والجماليات. اسم مثل عبدالكريم الخطيبي تجاوز حدود الجامعة إلى قراءة الاسم العربي الجريح، والمفكر القريب من روح الفيلسوف عبدالفتاح كيليطو كتب في الأثر والدلالات والمعرفة والفكر أكثر من كونه يعمل في حقل محدد. هذه رؤية ثقافية في آخر الأمر يطرحها الذين يتركون أثراً قابلاً لتركيز الضوء عليه وقراءته جيداً ومراجعته بوعي، وقبل الوعي، مراجعة هذه الرؤية بمحبة وانفتاح.. هل أعيدك إلى الوعي الثقافي التنويري الذي بدأه طه حسين في الزمن الذهبي في أواسط القرن العشرين، وبجرأة يدفع ثمنها صبراً وصمتاً على ما يمكن تمسيتهم بالمتفاجئين بهذا الأعمى الذي يرى أكثر منهم؟ أعيدك إلى زمن زكي مبارك الذي سمى نفسه دكتور الدكاترة، في حروب طويلة شاقة خاضها ولم يخرج منها لا منتصراً ولا مهزوماً. نحب ما كان يفعله أولئك المؤسسون الكبار في الثقافة العربية، سواء بدأوا من المدرسة أو من الجامعة أو من العائلة. لعلك تحب شخصية مثل شخصية العقاد وتوفيق الحكيم ومصطفى لطفي المنفلوطي، وغيرهم من القامات الكبيرة. البعض جاء من الريف إلى الثقافة. هذا البعض كان عصامياً بكل معنى الكلمة. جيل كان‮ ‬يعلّم نفسه بنفسه،‮ ‬وأكثر من ذلك تعلمنا منهم أكثر مما تعلمنا من الجامعات،‮ ‬والبعض جاء إلى الثقافة بعد مغادرته أسوار الجامعة‮.‬ كان الناقد‮ ‬الأستاذ ‬إحسان عباس أكاديمياً‮ ‬حتى العظم،‮ ‬وحتى العظم كان ظاهرة ثقافية كبرى لها امتداداتها المفعمة بالحياة على المستوى العربي‮. ‬في‮ ‬الجامعة كان إحسان عباس مؤسسة داخل المؤسسة‮. ‬كان مؤسسة نقدية أدبية ثقافية داخل المؤسسة الجامعية،‮ ‬ومثل هذا النموذج الفذ نعرف كم حجم العطاء الثقافي‮ ‬للأخوين‮ ‬ياغي‮ ‬هاشم‮ ‬ياغي‮ ‬وعبد الرحمن‮ ‬ياغي‮ ‬في‮ ‬الجامعة الأردنية‮.‬ ومن هذه النماذج أيضاً‮ ‬أي‮ ‬نموذج الأكاديمي‮ ‬بإشعاعاته الثقافية‮، ‬لا ننسى صفاً‮ ‬طويلاً‮ ‬من أساتذة الثقافة والعلوم والمعرفة‮. ‬محمد بنيس مازال بين أسوار الجامعة لكن فضاءه المعرفي‮ ‬والثقافي‮ ‬أوسع بكثير من فضاءات الجامعة‮.‬ النماذج العربية الأكاديمية ذات التواصل الثقافي‮ ‬عدة ومتجددة،‮ ‬وهذه الطاقات الفاعلة مرت من تحت‮ ‬يديها أطنان من الرسائل العلمية‮ ‬الماجستير والدكتوراه‮.. ‬فهل من انتباهة جادة إلى هذه المادة الغائبة والمغيبة في‮ ‬الجامعات العربية؟ يشرف الأستاذ الجامعي‮ ‬على رسالة ماجستير أو رسالة دكتوراه،‮ ‬وبعض الأساتذة‮ ‬يدفعون باتجاه أن تصبح هذه المادة الجامعية مادة ثقافية‮. ‬إننا في‮ ‬فضاءات المعرفة الحرة فعلاً‮.‬ وكم من مؤسسة جامعية شع ‬منها نور المعرفة والتنوير والنقد الأدبي،‮ ‬والنقد الثقافي‮. ‬إننا في‮ ‬قلب ظاهرة بدأت تتبلور في‮ ‬السنوات الأخيرة من خلال تراكم الكثير من الرموز المشتغلة في‮ ‬الشأن الثقافي‮ ‬إلى جانب اشتغالها في‮ ‬الشأن الأكاديمي ‮.‬ للمعرفة أكثر من جناح‮.‬ وللثقافة أكثر من باب‮.‬ المهم أن ندرك جيداً‮ ‬روح البحث وروح الكتابة،‮ ‬وننظر بشيء من عين القربى لمئات المواد الجامعية التي‮ ‬تحمل في‮ ‬عمقها مادة ثقافية نقية‮.. ‬ذلك وجه آخر للثقافة.‬ يوسف أبو لوز