من ينبع أقصى غرب المدينة المنورة، حيث ولد الإعلامي بدر كريم قبل 80 عاما، إلى الرياض في قلب المملكة حيث رحل بالأمس السعودي الأكثر نجاحا في دهاليز الإذاعة والتلفزيون في الـ 50 عاما الماضية، مساحة من المكان والزمان شهدت فيهما أزهى عصور هذين المرفقين أجيال كان من بينها ابن منطقة المدينة الراحل وابن المملكة الذي زار أنحاءها كافة، حاملا ميكرفونا تميز بالرصانة والاحترام قبل أن يصبح الميكرفون أداة تسلية لكثيرين في أزمان لاحقة. الصوت الرصين الدافئ والحضور الجميل الآسر جعلا من ابن كريم سفيرا فوق العادة لبلاد لم يعرف الجاهلون عنها سوى كونها بلاد الصحراء، ليظهر الصوت السعودي القادم من الأعماق قائلا للجميع "تعالوا هنا فنحن أيضا نصنع الأعلام وننتج الثقافة"، خرج بدر كريم الذي كان يعاصر حينها ولادة الإذاعة والتلفزيون من عمله مراقبا للمطبوعات إلى العمل في الإذاعة ليشغل فيها وظيفة مذيع ومقدم لبرامج إذاعية وتلفزيونية، حينها انطلقت مواهب الشاب السعودي الذي اكتشفها في دهاليز إذاعتي الرياض وجدة قبل أن ينضم أيضا إلى التلفزيون ليكتمل الحضور الصوتي بحضور جسدي تنافست فيه اللغة السليمة الحية مع لغة الجسد وتعبيرات الوجه لتعطي صورة متكاملة للمذيع الذي تحول لاحقا إلى أبرز مقدمي برامح الاحتفالات الملكية في عهد الملك الراحل فيصل بن عبدالعزيز. "عاش حياته نظاميا ومات نظاميا" هكذا يقول أحد زملائه الذين عاصروه، الإذاعي الأقدم في إذاعة جدة ناجي طنطاوي الذي يصف بدر كريم الأسطورة التي لن تتكرر على الأقل في الإعلام السعودي، مشيرا إلى قصص شتى تؤكد المهنية الفائقة والالتزام العالي الذي طبع حياة الراحل، لافتا إلى أنه شهد بنفسه نزول بدر كريم كمرافق إعلامي لرحلات الملك فيصل من الطائرة مباشرة إلى مبنى الإذاعة مستقلا سيارة رسمية لإنجاز المونتاج وإنتاج التقارير الخاصة بالرحلة، وأشار طنطاوي إلى أن الأحداث المؤسفة التي شهدها الحرم في مطلع الثمانينيات من القرن الماضي جعلت من بدر كريم ملازما للإذاعة لا يتركها وقت طعام أو راحة حتى انتهت الأحداث بسلام. ويقول الإعلامي محفوظ الأمين إن وفاة الملك فيصل شكلت صدمة عنيفة زاد وقعها البكاء المؤثر والصادق للراحل الذي ظهر على شاشة التلفزيون يبكي بحرقة ملكا كان صادقا وحكيما، فيما يشير سالم الأحمدي مدير مكتب صحيفة "الرياض" في المدينة المنورة إلى الزمالة التي جمعته بالإعلامي الراحل الذي التحق بكلية الآداب في جامعة الملك عبدالعزيز حيث كان نعم الزميل البسيط المتأنق والخلوق رغم شهرته حينها إلا أنه كان لطيفا مع طلاب يصغرونه في السن والتجربة. ويشير الكثيرون إلى الإلمام بأصول اللياقة في التعامل مع الجميع عند الرجل الذي تبوأ مركزا إعلاميا مرموقا في ذلك العصر، إذ يشير عبدالواحد الحطاب المسؤول الإعلامي في "شؤون الحرمين" إلى سرعة البديهة عند بدر كريم وقال: "كان كما لو كان يخصص عينا لقراءة ما بحوزته من أوراق وعينا أخرى يتابع بها ضيوفه ومجريات التنظيم ليجمع مع اللغة المميزة والصوت الجميل قيادة فرق العمل في الاحتفالات والمناسبات". وتفرغ بدر كريم في الأعوام الـ 30 الماضية إلى نقل تجربته للأجيال اللاحقة كمحاضر في عدد من الجامعات وضيف على عدد من المناسبات إضافة إلى تخريجه جيلا من الإعلاميين أبرزهم ابنه ياسر بدر كريم الذي يطوق صوته إذاعة جدة كما فعل يوما أبوه فيما توزعت اهتمامات أبنائه الآخرين بين الطب مثل أيمن ومجالات أخرى من العلوم والفنون.