يبدو المشهد الإقليمي مرتبكاً ومشوشاً،فيما يسود بعض دول الإقليم، الاضطراب أو الفوضى أو الحرب الأهلية، أو التهديدات، وطبيعي في مثل هذه الأجواء، أن يغيب الشعور العام بالاستقرار، وان تنعكس المخاوف على خطط المستقبل. العنصر الأساس في ارتباك المشهد الإقليمي في الوقت الراهن،حملته رياح التغيير أواخر عام 2010 مع ما سمي آنذاك بثورات «الربيع العربي»، لكن القوى التي ركبت رياح التغيير، في أغلب دول الربيع العربي، أحالته خريفاً تعصف رياحه بكل شيء، وتهز كل شيء، وتسعى لإسقاط كل شيء، معتقدة أن عملية واسعة للهدم يجب أن تسبق عملية واسعة لإعادة البناء. الفكرة قد تبدو منطقية، فالثورات غالباً يحكم آلياتها هذا القانون، هدم لما ثار الناس عليه... ثم إعادة بناء لما يحلم الناس به، غير أن أخطر ما في هذا التصور، كان اعتقاد تيارات الإسلام السياسي فيما سمى بدول «الربيع العربي» بأن الهدم يجب أن يشمل أيضاً وربما بالأساس «فكرة الدولة»، فالدولة عند أغلبهم فكرة «كافرة» ، والمشروع السياسي» المؤمن» الذي قالوا أنهم جاءوا به، لا يمكن أن يقوم على أنقاض تلك الفكرة الكافرة. في الصراع بين فكرة «الدولة» ومؤسساتها، وبين فكر جماعات الإسلام السياسي التي اعتلت موجة الثورة الأولى في مصر بصفة خاصة، حيث تأسست جماعة الإخوان المسلمين، بدا أن الجماعة التي صادرت ثورة يناير لحسابها، لا تقيم وزناً لفكرة «الوطن»، فهى ترى طبقاً لأدبياتها وكذلك باعتراف مرشدها السابق مهدي عاكف الذي قال في حوار صحافي مسجل «طز في مصر» أن جماعة الإخوان أكبر من الوطن. أراد الإخوان تغييب فكرة الدولة في أقدم دولة على وجه الأرض، أرادوا تغييب فكرة الوطن، في أقدم الأوطان وأعرقها، أرادوا تغييب سلطة الدولة لحساب سلطة المرشد، في البلد الذي اخترع الدولة واخترع السلطة، ومع شعب يضع «دولته» بين المقدسات. مشهد أول رئيس مصري منتخب ورموز جماعته داخل قفص الاتهام، قبل أيام بتهمة التحريض على قتل شعبه، ربما اختزل كل المعاني وحمل كل الدلالات، فالمحاكمة لم تكن فقط لمحمد مرسي ورفاقه المتورطين معه في جرائم قتل وتعذيب أمام قصر الاتحادية أو داخله، وإنما كانت مصر تحاكم جماعة الإخوان المسلمين فكراً ومنهجاً ورموزاً وسلوكاً، كان مؤسس الجماعة ومرشدها الأول حسن البنا داخل القفص، بفكره ومنهجه وأتباعه. في هذا السياق، لا ينبغي النظر الى محاكمة مرسي ورفاقه، باعتبارها شأناً مصرياً خالصاً، فالجماعة ذاتها قد تمددت وانتشرت في ثمانين دولة- بحسب تقديرات زعمائها- وما ارتكبه رجالها بمصر، هو بعض ما يدخرونه لدول يستهدفونها ويتطلعون للسيطرة عليها لاحقاً،ثم إن عناصر تنظيمها الدولي في الجوار الإقليمي لمصر أو حتى في الخارج البعيد، يتبعون تنظيمياً، ذات التنظيم المصري، ويسيرون على منهجه ووفق تقديراته وتعليماته. وطبقا للدكتور محمد حبيب نائب مرشد الجماعة حتى عام 2009 ، فإن مكتب الإرشاد للتنظيم الدولي الذي يتكون من ثلاثة عشر عضواً، يضم ثمانية من أعضاء مكتب إرشاد الجماعة في مصر بالإضافة الى مرشد عام الجماعة في مصر أيضاً، أي أن قرارات التنظيم الدولي التي تصدر بالأغلبية تهيمن عليها الجماعة الأم في مصر بتسعة أصوات من بين ثلاثة عشر صوتاً، وهكذا فإن محاكمة قيادات مكتب الإرشاد في مصر وإيداعهم خلف القضبان، يعني تلقائياً إصابة التنظيم الدولي وفروعه بالشلل، أو إجبار التنظيم على إعادة هيكلة قيادته لتصبح خارج مصر لأول مرة. إدانة تنظيم الإخوان وقياداته في القضايا المنظورة أمام القضاء المصري، تعني بالضرورة إدانة الفكرة في مجملها، وتجريم من يتبنونها مؤمنين بضرورة تقويض الدولة من أجل تمكين الجماعة، لكن الإدانة القضائية وحدها قد لا تكفي لإجهاض مخطط الجماعة بإسقاط فكرة الدولة وباستهداف مؤسساتها( الجيش والشرطة والقضاء والإعلام والتعليم والأوقاف والمؤسسات الدينية الرسمية)، فالمطلوب لحماية فكرة الدولة ومؤسساتها، يقتضي تحركاً واعياً خارج ساحات القضاء وبعيداً عن ميادين المواجهة الأمنية، يشمل بالضرورة مراجعة في العمق لمؤسسات التربية والتعليم، وكذلك للخطاب الديني في مجمله ، وتحركاً يحمي المنابر وقنوات الإعلام، ويؤمن كافة مؤسسات الدولة ضد اختراقات الجماعة. حماية فكرة الدولة تقتضي أيضاً، تعزيز مؤسساتها، للقيام بدورها في محاربة الفقر، ونشر التعليم، وتحرير الإعلام، وتحقيق تنمية مستدامة، وتعزيز قيم المواطنة.. باختصار فإن المواطنة الحقة هي السياج الحقيقي لحماية فكرة الدولة ، وهى الضمان الحقيقي ضد جماعات انحرفت بالفكر واستخدمت الدين مطية لتحقيق غاياتها، في السيطرة على مقدرات الشعب وإسقاط دولته. معركة مصر ضد جماعة الإخوان وتنظيمها الدولي هى في الحقيقة معركة كافة الدول التي تستهدفها مخططات هذا التنظيم، ولا يمكن حسمها بالسرعة المطلوبة دون تعاون كافٍ وجاد من تلك الدول،فالاضطراب الذي يسود المنطقة هو بعض تداعيات الحرب ضد خطط جماعة تستهدف دولها، ولا مخرج منه دون التخلص من أسبابه . moneammostafa@gmail.com moneammostafa@gmail.com للتواصل مع الكاتب ارسل رسالة SMS تبدأ بالرمز (21) ثم مسافة ثم نص الرسالة إلى 88591 - Stc 635031 - Mobily 737221 - Zain