×
محافظة المنطقة الشرقية

مقاتلو الجيش الحر يستعيدون السيطرة على قاعدة استراتيجية شمال سوريا

صورة الخبر

كنت قد رسمت صورة سوداء لمستقبل الأجيال القادمة في بلادنا حين قلت، إن الأذكياء وأصحاب المواهب والشجاعة وروح المغامرة أخذوا يهجرون عالمنا العربي الخربان. لا يمر يوم إلا ونسمع عن مشكلاتهم وهلاكهم في مسعاهم هذا. يؤثرون الموت غرقا في البحر على العيش سقما وكرها في بلدهم. إذا استمرت هجرة العقول والكفاءات هذه فمن سيبقى في الديار غير العاجزين والخاملين والمتخلفين والأميين؟ سيتزاوج هؤلاء فيما بينهم فنحصل على أجيال من العاجزين من أمثالهم. قلت كل ذلك، ولكن أحد أقاربي في العراق حصل على عمل بعد سنين من البطالة والضياع. خطر لي أن أكلمه وأهنئه على إنجازه العظيم، ثم عنَّ لي أن أنصحه بشيء من تجاربي في الحياة، فرويت له هذه الحكاية مع أحد صيادي الرؤوس. هذه مهنة معروفة في الغرب، صياد الرؤوس (head hunter) مهمته اختيار الشخص المناسب للعمل المناسب في البلد المناسب: يريدون مهندسا للعمل في ليبيا، أبحث لهم عن مهندس يائس من حياته، متشائم من مستقبله ولا فرق لديه بين الموت والحياة، وعرفت عنه محاولتين للانتحار. أرشحه لهم. وإذا طلبوا مني مدقق حسابات للعمل في العراق أختار لهم رجلا خرج من السجن توا بجريمة التزوير والاختلاس، الرجل المناسب للمكان المناسب. الحقيقة، نحن أيضا لدينا هذه المهنة. صياد الرؤوس عندنا يدلك على من يلبي لك ما تريد بالرشوة أو بتوصية من مرجعية أو محسوبية وهكذا. حدثني طويلا هذا المختص الإنجليزي باصطياد الرؤوس. سألته أخيرا: قل لي حقا ما أهم صفة تبحث عنها في أي رأس ترشحه للعمل في العالم العربي؟ - « الصبر!». قال، ورويت ما قاله لقريبي ذلك: «تمسك بالصبر ولا تنزعج بما ستصادفه من الخروقات والحماقات والسرقات والمصائب». جرني ذلك إلى مراجعة ما سبق وقلته أعلاه بشأن المهاجرين واللاجئين. نعم، إنهم أصحاب ذكاء ومواهب وقدرات، ولكن هل لهم هذه الميزة التي تكلم عنها ذلك الرجل، صياد الرؤوس؟ وأعني بها ميزة الصبر؟ فابن عمي هذا الذي قضى سنوات طويلة قابعا في البيت من دون عمل أو مكسب أو حب أو زواج، لا بد أن يتحلى بقدر كبير من الصبر على المكروه. وكذا لا بد أن تكون هذه الملايين من المواطنين العرب الذين بقوا في ديارهم وتمسكوا ببيوتهم وارتضوا بكسرة خبز واستكان شاي فطورا وغداء وعشاء، واستمعوا لكل ما يجري في بلدهم من استهتار وحرمات وسرقات، لا بد أن الله عز وجل قد وهبهم قدرا متميزا من الصبر. وحيث كان ابن عمي يقضي نهاره في تلاوة القرآن الكريم، لا بد أنه مر بقوله تعالى: «إن الله مع الصابرين».