ممارسة الاحتكار ممارسة خاطئة، تقف حائلاً أمام الحراك التنافسي الذي يستفيد منه المجتمع للوصول إلى أسعار عادلة تفتح الباب أمام قيام مشاريع جديدة. تمتلك الأسواق الحرة التنافسية قدرة على إنتاج معدل سريع من الابتكار، بينما ينبغي أن يُبنى الاستحواذ على تنمية وتوسع نشاط الشركات المستهدفة بناء على النمو المستقبلي، والطلب المتنامي على منتجاتها وخدماتها وفقاً لمزاياها التقنية والصناعية المتميزة والتنافسية العالية. ينبغي أن يكسر الاستحواذ احتكار شركات للتقنية ومنع بيعها أو انتقالها للدول المستهلكة لتبقى سوقاً استهلاكياً هذا هو الاحتكار الذي لم يتمكن مجلس المنافسة السعودي من مناقشته، كما يهدف الاستحواذ إلى تكوين شراكات مباشرة في الشركات الإنتاجية عالمياً، وإمكانية نقل الخبرة والتكنولوجيا. خصوصاً في عصر العولمة تحررت الصناعة من كافة القيود، ويجب أن يكون الاستحواذ ذا توجه اقتصادي أكثر عمقاً، وهو لم يُعد تحدياً مثلما كان في الماضي، بل وفرت العولمة تسهيلات كبيرة يمكن الاستفادة منها، لأن المال أصبح هو المسيطر والمهيمن في عصر العولمة. يتطلب الاستحواذ تفكيراً واستثماراً أكثر جرأة حتى يمكن أن يسير بخطى مدروسة تستغل أوضاع العولمة التي تتنافس الدول على عمليات الاستحواذ فيها من أجل توطين التقنية حتى نتحول من دولة محدودة الموارد ومن دولة مستهلكة ريعية إلى دولة صناعية منتجة على الأقل لتلبية الطلب المحلي وبشكل خاص تلبية حاجات البنية التحتية في السعودية والتي تمر بطفرة كبيرة. نحن بحاجة إلى امتلاك رؤية عميقة وفق أعلى المستويات العالمية، ويجب أن نتطلع لمرحلة جديدة تتجه نحو شراكات جديدة تتسم بالنمو والتوسع. ما زالت السوق السعودية سوقاً استهلاكية، والسوق تحتاج إلى مرجعية والتي ما زالت غير ناضجة، وتعتمد في الأغلب على مبدأ التجربة والخطأ ولا تشرك الخبراء، ما جعل السوق السعودي يعاني من فوضى، وسيطرة وتشابك أصحاب المصالح والتجار على السوق. كما أن السوق السعودي يعاني من الغش التجاري، أو السلع المقلدة، وهناك جهود تبذل في مراقبة السوق. فالاحتكار الذي لم يفهمه كثيرٌ من الاقتصاديين هو نتيجة غياب التوسع والنمو وتعدد الخيارات وفق خطط وإستراتيجيات، لكن التوقف على مواجهة فك الاحتكارات في رفض الاستحواذات المحدودة يُعتبر توجهاً قاصراً، خصوصاً أن السوق السعودي كبير قابل للنمو والتوسع، وقابل لدخول شركاء جدد عبر استحواذات وشراكات عالمية وإقليمية. فهل يكفي أن يكون في السعودية مصنعان فقط لصناعة الأنابيب الفخارية المستخدمة في الصرف الصحي، وفقاً للبيان الصادر من مجلس المنافسة، والسعودية تعيش مرحلة طفرة في بناء البنية التحتية، ومعروف أن صناعة الأنابيب الفخارية تتسم بأنها كبيرة الحجم وثقيلة الوزن، ويرتفع سعرها كلما طالت المسافة، بينما يفترض أن يكون هناك توزيع جغرافي لتلك الصناعة يتناسب مع توزيع مصانع الأسمنت. فأصحاب الصناعات التكنولوجية العالية أقنعوا الإدارة الأمريكية السابقة قبل أوباما بأنها صناعات مختلفة، وأن كل القوانين الخاصة بمكافحة الاحتكار تناسب فقط الصناعات التي يتصاعد منها الأدخنة وهي لا تناسبها، بسبب التوسع والنمو في الصناعات بما يتناسب مع حجم الطلب، ليس فقط المحلي بل والطلب العالمي وفق أطر وقواعد المنافسة التي ساهمت العولمة في الحد من الاحتكارات.