×
محافظة المدينة المنورة

الدفاع المدني يستعد لتنفيذ خطة مواجهة الطوارئ بالعاصمة المقدسة والمدينة المنورة خلال شهر رمضان المبارك

صورة الخبر

مرت ثلاث سنوات على غياب غسان تويني. بعضنا كان يشير إليه بـ«المعلم»، دون الحاجة إلى التسمية، وبعضنا الآخر كان يسمّيه «الأستاذ». و«الأستاذ» كان واحدًا من ثلاثة عمالقة أنشأوا المدارس الحديثة في الصحافة اللبنانية. هو، الذي ورث «النهار» عن والده، وسعيد فريحة، الذي أسس «الصياد»، وكامل مروة، الذي أصدر «الحياة» في شقة عتيقة من ثلاث غرف، كانت تصدر منها «النهار» في الأربعينات. كل واحد منهم أعطى الصحافة اللبنانية بعدًا مهنيًا حديثًا. سعيد فريحة أضاف إليها الكاريكاتير السياسي والأسلوب الساخر، أو الساحر. وفي هذه المدرسة، تخرَّج جيل من كبار الصحافيين. وكامل مروة نقل «الحياة» من الأفق المحلّي إلى الأفق العربي، وحوَّلها إلى منبر لبعض أشهر الكتّاب العرب. وغسان تويني أعطاها بعدًا عالميًا. أصبحت «النهار» الصحيفة التي ينقل عنها المراسلون الخبر الموثوق والموقف الموضوعي والرأي المحترم. لم أعمل مع كامل مروة، ولم أعرفه. لكنني إذ أعود إلى سنوات العمل مع سعيد فريحة وغسان تويني، أعتقد أن أهم سر فيهما كان سعة الصدر. كنت أخطئ في العمل، أو أتكاسل، أو يغلبني غرور الشباب مع سعيد فريحة. وكان يتجاهل ذلك. وكان يقول لمن هم أكبر مني: «أعطوه فرصة. الخامة جيدة. لا تُحبطوه». وأخطأني الغرور نفسه مع غسان تويني. وكانت أخطاء لا تُغفر. لكنه تجاهلها. وكان يشير إليها كأنه يتحدث عن طرف ثالث في جريدة أخرى. وظل يشير إليها طوال العمر، ولكن من بعيد، وكأنها لم تحدث. وأعرب عن غضبه مرة واحدة، عندما وقَّعت للمرة الثانية عقدًا لرئاسة تحرير «النهار». وللمرة الثانية أخلفت. ولم يستطع أن يخفي زعله لفترة طويلة. وفي النهاية، وقَّعنا «العقد» الذي لا ينهيه سوى قضاء الله: أظل في رفقته ومودته كاتبًا من دون مسؤوليات، ومن دون التعرُّض لأعراض الحياة اليوميّة مع بعض الزملاء. كان غسان تويني أكبر من «النهار». وبسبب رفعته، حماها من نفوس كثيرة. واستطاع أن يطوِّرها باستمرار على الرغم من الأنانيات المعوقة والنزعات المرضية. وكانت ثقافته الكبرى تسهِّل له البقاء في آفاق التطوير. وقد التقيته مرة ومعه رئيس وزراء فرنسا دومينيك دو فيلبان. وبدا لي طبيعيًا جدًا أن يتحدث إليه دو فيلبان وكأنه يتحدث إلى أستاذه. هكذا حدث مع وزير خارجية فرنسا، أوبير فيدرين. كان حضوره ساحرًا. وأحيانًا، طاغيًا، بكل تهذيب. وقد رفع من شأن الصحافيين في لبنان، ماديًا وأدبيًا. وفي مرحلة طويلة، جعل «النهار» أهم حزب من أحزاب الحريّة في لبنان. خافه الرؤساء والزعماء، واحترمه الجميع.