احتفل المثقفون والأدباء المصريون بمرور مائة عام على ميلاد الأديب د. يوسف عز الدين عيسى، أحد أبرز رواد الواقعية السحرية والمحسوب على جيل الستينات. وأقيمت احتفالية له مؤخرًا في المجلس الأعلى للثقافة بحضور أفراد أسرته وحشد من مريديه والأدباء والنقاد المصريين، والدكاترة: محمد عفيفي، الأمين العام للمجلس الأعلى للثقافة، وخلف الميري، المشرف على الإدارة المركزية - الشعب واللجان الفنية بالمجلس، والسيد فضل، مقرر لجنة الدراسات الأدبية واللغوية بالمجلس، والناقدين مصطفى عبد الله، وشوقي بدر. ADVERTISING ولد عيسى في 17 يوليو (تموز) 1914 ورحل عن دنيانا 18 سبتمبر (أيلول) 1999. عمل أستاذًا جامعيًا بكلية العلوم بجامعة القاهرة، ثم الإسكندرية، وحصل على الدكتوراه من جامعة شيفيلد بإنجلترا. ثم، أصبح أستاذًا زائرًا في جامعتي بركلي وألينوي في الولايات المتحدة. وحصل على جائزة الدولة التقديرية في الأدب عام 1987، ووسام العلوم والفنون من الطبقة الأولى مرتين، ووسام الجمهورية. وهو يعتبر رائد الدراما الإذاعية والتلفزيونية في الشرق الأوسط، حيث قدم نحو 400 عمل للإذاعة، وأثناء دراسته ببريطانيا كتب لإذاعة «بي بي سي» أعمالاً مثل: «هذه الدنيا»، و«شجرة الياسمين». مارس الأديب الكبير كل أشكال الكتابة الإبداعية: رواية، وقصة قصيرة، ومسرح، وشعر. ومن أبرز أعماله: «العسل المر»، و«لا تلوموا الخريف»، و«التمثال»، و«عين الصقر»، و«الرجل الذي باع رأسه»، و«نريد الحياة»، و«ليلة العاصفة»، و«ثلاث وردات وشمعة». وله نحو مائتي قصة قصيرة وست مسرحيات وثماني روايات، إضافة إلى ما يفوق المائة مقال وكانت جريدة «الأهرام» تنشر له صفحة أسبوعية تحت عنوان «من مفكرة يوسف عز الدين عيسى». وتميزت أعماله بالتشويق والإثارة واللغة السلسلة. واتسم أسلوبه السردي بخلط الخيال والحلم والواقع والفلسفة بشكل رمزي، لتكثيف الإدراك بمجريات الواقع، لكنها رغم ذلك لم تحظَ بما يستحق من اهتمام نقدي أو دراسة أكاديمية. بدأت الاحتفالية بكلمات تعريفية عن الأديب الراحل وقيمة أعماله الأدبية، كما تناول عدد من النقاد أعماله الروائية بدراسات نقدية، وألقى عدد من الأدباء والباحثين شهاداتهم عنه. وقال د. السيد فضل إن «هدف الاحتفالية ليس الاحتفاء بيوسف عز الدين عيسى، بل أن نقدم له شيئًا، من طبع أعمال إلى التعريف به وبسيرته، فواجبنا نحوه هو نشر أعماله، لأن ما نشر أقل من ربع ما أنتجه الراحل، وهي ليست مسؤولية أسرته بل المؤسسات، لأنه قامة كبيرة جدًا جمع بين العلم والأدب والفكر». وصرح ابنه د. أيمن يوسف عز الدين لـ«الشرق الأوسط» بأن «الأسرة تسعى لإخراج ما في جعبتها من مخطوطات لأعمال الأديب الراحل التي لم تنشر بعد لإتاحتها للأجيال الجديدة، خاصة وأن أعماله صالحه للقراءة في كل الأزمان». وقالت ابنته فاتن يوسف عز الدين في شهادتها: «عرفت أبي عاشقًا للبحر، وعرفته كاتبًا ماهرًا لا يكتب إلا والفكرة مكتملة في ذهنه. كان يستمتع بالكتابة ويستغرق فيها، ولو قامت الدنيا ولم تقعد في كازينو رشدي، الذي اعتاد الكتابة فيه، لا يسمع ولا يرى شيئًا مما يدور حوله، بل يظل مستغرقًا في عالمه، يكتب وينظر إلى البحر ويستمر في الكتابة. عرفته مثقفًا يعشق القراءة والفنون التشكيلية والموسيقى، ويبهره علم الفلك وعلم النفس، يقرأ في كل فروع المعرفة ولا يرى تعارضًا بين الفن والعلوم فخلق عالمًا خاصًا به في كتاباته، تتلاقى فيه كل أفرع المعرفة والآداب والفن». واستطردت: «كان عالمه هو عالم الخيال الذي يرى فيه أصدق تعبير عن الواقع. عالمه كان عالم الواقعية السحرية التي كتبها قبل ماركيز بـ30 عامًا في: (عجلة الأيام) و(فراشة تحلم) و(لماذا لم يأتِ الشتاء)، و(دنيا الحمير) و(سيكوسيتا) وغيرها». وواكب الاحتفالية صدور الطبعة الأولى من رواية «عواصف» عن الدار المصرية اللبنانية، التي لم تطبع في حياة د. يوسف عز الدين، كما صدرت الطبعة الثانية من روايته «الواجهة» التي صدرت بداية العام الحالي. تقع «الواجهة» في ثلاثمائة وثلاثين صفحة تجسد رحلة إنسان يتلاشى عنه كل ماضيه حتى اسمه يرمز له الأديب بـ«ميم نون» الذي يأخذنا معه في رحلته من الحياة للموت، في مدينة غريبة هي المضاد لعالمنا الواقعي، رحلة تتكشف فيها غرائز النفس البشرية وقسوة الحياة. وما أن ننتهي من قراءة هذه الرواية نجد أنفسنا وجهًا لوجه أمام الأسئلة الأبدية: من الإنسان؟ وما هي الحياة الدنيا؟ وما الآخرة؟ وماذا عن الجبر والاختيار وماهية الوجود الإنساني؟ وما معنى أن تنتهي كل هذه المسائل الملغزة بلغز أكبر منها ألا وهو الموت؟ وفي شهادته، قال الناقد سعيد سالم إن «رواية (الواجهة) تمثل رحلة البحث عن الحقيقة مع بطلها الذي أسماه (ميم نون) وهو في حقيقته علامة استفهام؛ فميم نون قد تعني كلمه (مَن) إذا ما ضممنا الحرفين معًا. والعمل من بدايته حتى نهايته يشكل علامات استفهام كبرى تأخذ في التضخم حتى يستحيل تصور حجمها في النهاية. وتبدأ أولى علامات الاستفهام بوجود (ميم نون) في المدينة العظيمة التي تبدو وكأنها شارع واحد. كيف حدث هذا؟ ولماذا قرر مالك المدينة الحكم بالإعدام على جميع سكانها؟». ويضيف: «عندما يبدأ (ميم نون) في التطلع البريء للأنس والمحبة لتبديد عزلته ووحشته يكتشف أن أهل المدينة يتمسكون بقيم محددة تمسكًا دون النظر إلى طبيعة النيات فتبلغ عنه الفتاة التي ارتاح إليها - وهي تقدم له الطعام في المطعم - ليطرد من منزله ويصبح بلا مأوى ولا نقود، بحيث لا مفر أمامه إلا الذهاب إلى الطاحونة يدور بها كثور ثمنًا للحصول على لقمة العيش. لكن الطريق إلى الطاحونة مليء بالعذاب يعترضه الموت؛ إذ تلتهم البالوعة الأحياء فيطن صفير في أذني (ميم نون)، ذلك الصفير الذي يوحي بلا شك برحيل القطار حاملاً الميت من عالم الدنيا إلى الآخرة. والحكم بالإعدام في هذه المدينة لا يفرق بين القتلة المتوحشين والفنانين ذوي الأحاسيس المرهفة، فها هو الشاعر الشاب الجميل الرقيق يقتله الموت بسهم يخترق قلبه النابض بحب الكون والبشر». وتقول الروائية د. شيماء الشريف: «أهديت روايتي الأولى (سفر أورشليم) لروح يوسف عز الدين عيسى لأنه كان السبب في عشقي للكتابة الروائية. وأرى أن رواية (عواصف) رواية تكشف أسرار النفس البشرية، وتحللها تحليلاً دقيقًا، عبر حبكة بوليسية. وهي رواية من القطع المتوسط، تقع في 24 فصلاً، في نحو أربعمائة وستين صفحة، أذيعت على شكل حلقات إذاعية من قبل ولاقت نجاحًا كبيرًا. تتميز الرواية بخفة أسلوبية وبراعة سردية وقدرة الأديب الفائقة على رصد الحركة الدائرية للحياة، وتقديمها ببساطة متناهية رغم ما تحمله من عمق وتعقيد».