×
محافظة المنطقة الشرقية

وزير التربية يكرم المدارس الفائزة بجوائز الأنشطة الدراسية

صورة الخبر

ثمة قاعدة غير مكتوبة في السياسة الفرنسية تقول بالامتناع عن تناول شؤون الرئاسة والحكومة والمؤسسات، وبشكل عام كل ما يتعلق بالسياسة الفرنسية خارج أراضي الجمهورية باعتبار أن شؤون فرنسا تعالج داخل فرنسا وليس خارجها. لكن يبدو أن نيكولا ساركوزي، رئيس الجمهورية السابق والرئيس الحالي لحزب «الجمهوريون» اليميني «المسمى سابقا حزب الاتحاد من أجل حركة شعبية» لا يعير هذه القاعدة أي قيمة، والدليل على ذلك التصريحات التي أدلى بها خلال زيارة اليومين التي قام بها لإسرائيل، ومنها بضع ساعات في رام الله. ADVERTISING الواضح أن ساركوزي الساعي إلى العودة إلى قصر الإليزيه بمناسبة انتخابات عام 2017 لن يتردد في سلوك أي طريق إذا كانت تساعده بشكل أو بآخر على استدرار دعم وتأييد هذه المجموعة أو هذه الدولة، وإن كان ذلك على حساب سياسات بلاده التقليدية. وبمناسبة وجوده في إسرائيل، لم يتردد ساركوزي الذي يؤكد أنه «صديق» لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في انتقاد دبلوماسية بلاده وتبني خط اليمين الإسرائيلي المتشدد بصدد موضوعين اثنين: النزاع الفلسطيني - الإسرائيلي والمساعي الدبلوماسية الفرنسية والملف النووي الإيراني. بداية، انتقد ساركوزي دبلوماسية بلاده التي تهيئ لاستصدار قرار من مجلس الأمن الدولي في الخريف المقبل بشأن ضرورة العودة إلى مفاوضات السلام الفلسطينية - الإسرائيلية ووضع سقف زمني لإنجازها (18 شهرا) وفق محددات أصبحت معروفة ومواكبتها بمؤتمر دولي للسلام. ويدفع المشروع وزير الخارجية لوران فابيوس الذي أعلن أنه في حال لم تفض المفاوضات إلى اتفاق، فإن باريس ستكون مستعدة للاعتراف رسميا بالدولة الفلسطينية. هذا التوجه لا يحظى بموافقة ساركوزي الذي وصف مبادرة بلاده بـ«الخاطئة» لأنه «من الخطير تصور أن أحدا باستطاعته إلزام الفلسطينيين والإسرائيليين بإبرام «اتفاقية» سلام. «هم من عليهم أن يصنعوا السلام». وأضاف ساركوزي أنه من «العجيب والخطير أن تطرح المبادرات من غير استشارة الأشخاص المعنيين أو طلب مساندتهم». والحال أن ما يقوله ساركوزي هو تكرار حرفي لما يروج له اليمين الإسرائيلي الرافض لأي تدخل خارجي في عملية السلام؛ فالرئيس السابق يعي جيدا أن إسرائيل عطلت الجهود الأميركية وكل محاولات معاودة المفاوضات بينما تعجل في عمليات الاستيطان التي لم يلمح إليها بتاتا. وذهب الأخير أبعد من ذلك عندما أشار إلى الحاجة إلى قيام دولتين إسرائيلية وفلسطينية، ما يعني، وفق ما قاله، أن «اليهود في إسرائيل والفلسطينيين في الدولة الفلسطينية». أما إذا لم تكن الأمور على هذا الشكل، فهو يستشرف وجود «خطر زوال إسرائيل من الداخل وليس من الخارج»، ما يعني أنه يتعين إيجاد حل لموضوع المواطنين العرب «في إسرائيل». ما قاله ساركوزي في هيرتزليا، بمناسبة محاضرة ألقاها أول من أمس، يشكل سابقة في مسار السياسة الفرنسية إزاء الصراع الشرق أوسطي؛ ذلك أن ساركوزي يتبنى ضمنا مواقف اليمين الإسرائيلي المتطرف الذي يريد إسرائيل دولة «خالصة» لليهود، ما يعني أن لا مكان للفلسطينيين داخلها، وبالتالي يتعين التخلص منهم بشكل أو بآخر. وهذا الموقف يذكر بأصحاب دعوة «الترانسفير» أي ترحيل الفلسطينيين من إسرائيل. وحاول مقربون من الرئيس السابق استدراك الأمر والتخفيف من وطأة تصريحاته بتأكيد أنه كان يشير إلى عودة اللاجئين الفلسطينيين في أي اتفاق سلام يبرم مع الطرف الفلسطيني. والحال أن كلامه كان واضحا ولا يحتمل اللبس. على صعيد مواز، تبنى ساركوزي الموقف الإسرائيلي في انتقاد الجهود الدبلوماسية المبذولة للتوصل إلى اتفاق نووي نهائي مع إيران خلال الأسابيع المقبلة، متهما دبلوماسية بلاده بالتبعية والسير وراء ما تقرره واشنطن وأن صوتها غير مسموع. والحال أن باريس تلتزم المواقف الأكثر تشددا من بين مجموعة الست، وذكرت أكثر من مرة أنها لن تقبل اتفاقا لا يتحلى بـ«الصلابة» ولا يكفل تمكن الوكالة الدولية للطاقة النووية من تفتيش كل المواقع الإيرانية بما فيها المواقع العسكرية. كذلك فإن باريس ترفض مطلب إيران برفع كامل للعقوبات الاقتصادية والتجارية المفروضة عليها، وتطالب برفع تدريجي وبإمكانية العودة للعقوبات إذا ما أخلت طهران بتعهداتها. ورغم ذلك كله، أدان ساركوزي مشروع الاتفاق المتفاوض عليه «من حيث المنهج ومن حيث المحتوى»، ورأى أنه يفتح الباب لسباق نووي في المنطقة؛ لأنه يتيح لطهران الاستمرار في تخصيب اليورانيوم وفي أبحاثها النووية، كما أنه لا يوفر الضمانات لجهة استحالة أن تتحول إيران إلى قوة نووية. وبعيدا عن سياسة فرنسا الخارجية، لم يفت ساركوزي أن يعرب عن «إعجابه» بـ«المعجزة التكنولوجية» الإسرائيلية، وأن يدين مقاطعة إسرائيل على خلفية الجدل الذي أثاره رئيس شركة «أورانج» للاتصالات الذي أعلن من القاهرة الأربعاء الماضي عزمه على إخراج شركته من إسرائيل. كذلك استنكر ساركوزي كل الأعمال المعادية للسامية التي تحصل على الأراضي الفرنسية، مؤكدا أنه «لا يمكن أن يقبل» أن يترك يهودي فرنسا وينتقل لإسرائيل «بسبب الخوف». هذه المواقف الساركوزية لم تمر دون رد رسمي من وزير الخارجية لوران فابيوس صاحب المبادرة الفرنسية في مجلس الأمن والمشرف على دبلوماسية بلاده. وقال فابيوس مساء الثلاثاء في الجمعية الوطنية، في ما خص النووي الإيراني، فإن ساركوزي «غير موضوعي أو غير مطلع»، منتقدا تخليه عن مبدأ الامتناع عن التنديد بسياسة بلاده في الخارج. وفي ما خص الملف الفلسطيني - الإسرائيلي، انتقد فابيوس الرئيس السابق من غير أن يسميه، وعاب عليه تجاهله موضوع الاستيطان «من أجل إرضاء محدثيه»، كما نفى بقوة أن تكون باريس بصدد السعي للحصول عل قرار أممي بمعزل عن الطرفين المعنيين. واعتبر الوزير الفرنسي أنه لا يمكن الانتظار إلى ما لا نهاية، يوما بسبب الانتخابات الإسرائيلية ويوما آخر بسبب انتظار نتائج المفاوضات مع إيران. ومعروف أن فابيوس سيزور إسرائيل وفلسطين ومصر ما بين 19 و21 الحالي. منذ أن ترك ساركوزي الرئاسة، لم يمض شهر إلا وزار خلاله بلدا عربيا، إما للاستراحة والاستجمام أو لإلقاء محاضرات بمئات الآلاف من الدولارات... ويبدو أنه عندما يزور إسرائيل ينسى كافة صداقاته العربية ويركز انتباهه على ما يمكن أن يجنيه سياسيا وإعلاميا وانتخابيا من تبني مواقف تسر اليمين الإسرائيلي، وتدغدغ مشاعر اليمين الفرنسي، حتى وإن كان ذلك على حساب قواعد غير مكتوبة ولكن معمول بها، مثل الامتناع عن انتقاد سياسات بلاده في الخارج.