الشخص الذي حفز الكونغرس على التصويت التاريخي لتبني قانون إصلاح وكالة الأمن القومي وهو الشخص ذاته الذي جعل محكمة اتحادية تحكم بأن التجسس المعمم الذي مارسته وكالة الأمن القومي على الأمريكيين كان غير قانوني يبقى منفياً خارج الولايات المتحدة، ويواجه حكماً بالسجن لعقود في حال عودته إلى بلده. وماذا كانت جريمته؟. كانت إطلاع الرأي العام الأمريكي على الحقيقة ذاتها التي دفعت الكونغرس إلى تقييد، بدلاً من توسيع، سلطات وكالة التجسس هذه لأول مرة منذ أكثر من 40 سنة. إن إقرار قانون الحريات هو ببساطة تبرئة لإدوارد سنودين. ولكنه لعار أن يتجاهل الجميع تقريباً، رغم هذه التبرئة، القانون الجائر الذي وجهت اتهامات قضائية إلى سنودين على أساسه. وإنه لعار أيضاً أن تتمسك الحكومة الأمريكية بموقفها المشين، ألا وهو أنه في حال مثول سنودين أمام محكمة، فلن يسمح له بأن يقول لهيئة المحلفين ماذا حقق كشفه عن المخالفات القانونية. وقد قال البيت الأبيض للصحفيين إنه على الرغم من إقرار القانون الجديد، فإن الإدارة لا تزال تؤمن بأن مكان سنودين هو السجن (ويفترض السجن المؤبد نظراً إلى الاتهامات المتوقع أن توجه إليه). ولكن البيت الأبيض اعتبر في الوقت ذاته، بصفاقة، أن الفضل يعود إليه في إقرار قانون الحريات، قائلاً: إن المؤرخين سيعتبرون هذا القانون جزءاً من تركة الرئيس أوباما. ولكن يؤمل أن يتذكر المؤرخون أيضاً أن جميع الفرص كانت قد أتيحت لأوباما لكي يصلح وكالة الأمن القومي قبل ظهور سنودين، ومع ذلك رفض ذلك مراراً. وسنودين هو الآن كاشف المخالفات القانونية الأكثر تأثيراً في جيله. وحتى أشد الذامين الذين تهجموا عليه، والذين وصل بهم الأمر إلى حد رفض لفظ اسمه، أصبحوا يقرون الآن بتأثيره. وعلى سبيل المثال، نسب تقرير لموقع هافينغتون بوست إلى أعضاء في مجلس الشيوخ من مختلف الأطياف السياسية إقرارهم بطريقة حاسدة بأنهم ما كانوا حتى ليناقشوا إصلاح وكالة الأمن القومي لولا سنودين. ولكن من المحزن أنه حتى أولئك الذين في الكونغرس طالبوا بإصلاحات أوسع وأعمق مما تضمنه قانون الحريات، يخافون أن يعزوا الفضل إلى سنودين، وكثيرون منهم لا يزالون يدينونه. وبعضهم يتشبثون بالاعتقاد الخاطئ بأنه يتعين على سنودين أن يعود إلى الولايات المتحدة إذا كان يعتقد حقاً بأنه كاشف مخالفات وليس جاسوساً لكي يعرض روايته أمام هيئة محلفين. ولكن بما أن الاتهامات وجهت إليه بموجب قانون التجسس الجائر وهو تشريع يعود إلى زمن الحرب العالمية الأولى ويستهدف الجواسيس وليس كاشفي المخالفات القانونية فإن سنودين لا يحق له حتى أن يلفظ كلمة كاشف مخالفات أمام محكمة، دع عنك أن يقول لهيئة محلفين لماذا فعل ما فعل. وقد شرح دانييل إيلسبيرغ، كاشف المخالفات الشهير الذي كشف عن أوراق البنتاغون (الحكومية السرية التي تضمنت تفاصيل قرارات الحكومة الأمريكية بشأن حرب فيتنام)، كيف أن أي أدلة سيرغب سنودين في عرضها أمام محكمة ستعتبر غير مقبولة بسبب القيود الصارمة لقانون التجسس. وكيف يمكن تصديق البيت الأبيض عندما يتحدث عن إحضار سنودين للمثول أمام العدالة؟. إذ إن قضيته المتمثلة بتسريب أسرار حكومية إلى صحفيين لم تكن أبداً قضية عدالة. فقد أظهر مسؤولون أمريكيون بصورة متكررة على مدى العام الأخير أنهم كانوا يسربون للصحافة أسراراً حكومية أكثر حساسية من تلك التي سربها سنودين. ولاحظ غلين غرينوالد (الصحفي الذي نشر تسريبات سنودين) أن العديد من السياسيين في واشنطن يبغضون سنودين ليس بسبب ما سربه، وإنما لأنه نجح في تحرير قضية الأمن القومي من سطوة الخوف السائد في واشنطن منذ أكثر من عقد. *صحفي وناشط أمريكي