×
محافظة المنطقة الشرقية

«مكة» في عددها الـ20 تسلط الضوء على ملامح التنمية

صورة الخبر

مع توقيع الرئيس الأمريكي باراك أوباما القانون الجديد الخاص بإصلاح وكالة الأمن القومي الذي أقره مجلس الشيوخ الأمريكي يرتفع سؤال: هل انكسرت دولة الخوف في الولايات المتحدة الأمريكية أم أن هناك في الأمر خدعة ما، كادت أن تنطلي على أغلبية الأمريكيين لولا يقظة المدافعين عن الحريات المدنية في البلاد، الذين ما فتئوا يدافعون عن المزيد من الحريات؟ الشاهد أنه لا يمكن الجواب عن السؤال المتقدم دون نظرة فاحصة متأنية لأحوال الوكالة وأهميتها بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية التي لا تزال مصرة على صبغ القرن الحادي والعشرين بصبغة أمريكية بامتياز في الحال والاستقبال. الشاهد أن وكالة الأمن القومي NSA، لا يتصل مجال عملها في الولايات المتحدة الأمريكية فقط، وإنما يمتد ليشمل حلف العيون الخمسة أي أستراليا وبريطانيا وكندا ونيوزيلندا، الذي ولد من رحم الحرب العالمية الثانية، ولعب دوراً واضحاً في الحرب الباردة، قاد لاحقاً إلى الانتصار على حلف وارسو. تعرف الوكالة بأنها وحش معلوماتي ولم يسبق أن امتلكت وكالة واحدة في الحكومة الأمريكية القدرة، إضافة إلى الصلاحية القانونية، لجمع هذه القدر من المعلومات الإلكترونية وتخزينه. والثابت أنه بمقدار ما كانت الوكالة ذراعاً طويلة في الخارج مكنت حلف الأطلسي عامة، وواشنطن خاصة من متابعة الأعداء حول العالم، فإنها كانت أيضاً وبنفس القدر أداة سلبية للتقليص من الحريات من الداخل، فقد اعتمد القائمون عليها على المادة سيئة السمعة المعروفة ب(215) في القانون الوطني باتريوت أكت الذي وجد طريقه إلى الأمريكيين بعد حالة الهلع والذعر التي روج لها المحافظون الجدد في أعقاب الحادي عشر من سبتمبر/أيلول من عام 2001.. هل تجسست الوكالة على الأمريكيين وقلصت من أطر حرياتهم، ولهذا كانت الثورة ضدها والقانون الجديد الذي اعتمد بشأنها؟ في تقرير لاتحاد الحريات المدنية الأمريكية صادر بتاريخ عام 2011 نقرأ : إن الكثير من عمل حكومتنا يدار هذه الأيام سراً، ولا أحد يعرف كم الأموال وعدد الناس الذين يوظفهم أو عدد البرامج الموجودة ضمنه أو عدد الوكالات بالضبط التي تقوم بالعمل نفسه. كان انفجار الغضب الشعبي الأمريكي ضد وكالة الأمن القومي مرجعه قدرة الوكالة على اختراق الخصوصية الشخصية لأي أمريكي، عبر مراقبة هاتفه، وحاسوبه، وبريده الإلكتروني، بل وصل الأمر برفض قيادات الوكالة في الأشهر القليلة الماضية، قيام شركات صناعة الهواتف بوضع شفرات خاصة بداخلها تمنع اختراقها، معتبرين أن ذلك قد يشكل خطراً على الأمن الداخلي للبلاد، ويعطي مزيداً من الحركة للإرهابيين.. ووفقاً لنائب المدير القانوني لاتحاد الحريات المدنية الأمريكية "جميل جعفر" فإن قواعد بيانات الوكالة، تخزن المعلومات حول آرائك السياسية، وتاريخك الطبي، وعلاقاتك الحميمة وأنشطتك على الإنترنت. ورغم زعم الوكالة أن هذه المعلومات الشخصية لن يساء استخدامها، فإن هذه الوثائق تبين أن الوكالة تعرف إساءة الاستخدام بشكل لصيق جداً، فتاريخياً استخدمتها وبناء على طلب من الرئيس الأمريكي نفسه لتشويه سمعة أي منافس سياسي أو صحفي أو ناشط في مجال حقوق الإنسان وسيكون من السذاجة التفكير بأن الوكالة أيضاً لم تعد تستطيع استخدام قدراتها بهذه الطريقة.. ما الذي تغير بعد إقرار القانون الجديد؟ لم تكن المعركة يسيرة في مجلس الشيوخ، وهذا يدلل على أن هناك أيضاً كثيرين داعمون لفكرة التشدد في الرقابة الاستخبارية داخلياً قبل أن تكون خارجية، وفي المقدمة يأتي زعيم الأغلبية الجمهورية في المجلس السيناتور ميتش ماكونيل من كنتاكي الذي كان يناصر الفصل (215) من قانون باتريوت أي قانون مكافحة الإرهاب، مع تجديد واضح وبسيط له من دون أن يتم استبداله بقانون الحريات. وبحسب النص الجديد لقانون يو إس إيه فريدوم اكت الذي وقعه أوباما، فإنه يرجع لشركات الاتصالات تخزين المعلومات الهاتفية الخاصة بمشتركيها، وسوف يكون على الاستخبارات الأمريكية الحصول على موافقة مبدئية وتخص هدفاً معنياً، ويطلب الإذن من قبل محكمة اتحادية أمريكية سرية، كما أنه بمقتضى هذا القانون تم إغلاق الباب أمام جمع "كميات المعلومات" من قبل وكالة الأمن القومي وذلك من خلال التعامل مع شركات الاتصالات وبطريقة مباشرة. في أعقاب توقيعه على القانون قال الرئيس الأمريكي باراك أوباما أنا مسرور بالتوقيع على القانون على هذا النحو.. ما سرّ سرور أوباما؟ يبدو واضحاً أن أوباما، وقبل كل شيء، كان يحاول تقديم وصفة متوازنة تجمع بين الحفاظ على الأمن القومي الأمريكي من جهة والحريات الشخصية الأمريكية من جهة ثانية، وفي الوقت ذاته كان يحاول تبيض وجه أمريكا الذي شوهته دولة الخوف ورقابة الأخ الأكبر منذ 2001 وحتى الساعة، عطفاً على ذلك تحقيق انتصار شخصي له على الجمهوريين، يكتب في سجل إنجازاته الداخلية القليلة، ويعزز من فرص الحزب الديمقراطي في الانتخابات الرئاسية الأمريكية المقبلة في 2016. هل من ثقوب في جدار القانون الجديد؟ لقد اعتبر البعض في الداخل الأمريكي أن التشريع الجديد يمثل علامة فارقة ومؤشراً على أن الأمريكيين باتوا غير مستعدين للتوقيع على بياض لوكالات الاستخبارات ويغير السياسات الأمنية التي سادت بعد هجمات سبتمبر/ أيلول 2001، وينهي النظام الذي كشفه المتعاقد السابق بوكالة الأمن القومي. غير أن القصة ليست على هذا النحو من البساطة، فالقانون الجديد ينقل مهمة تخزين المعطيات إلى شركات الاتصالات، وهنا يثور سؤال جوهري من يضمن ألا تتعرض مخازن معلومات تلك الشركات ذاتها للسطو من قبل وكالة الأمن القومي الأمريكية ذاتها وبطرق غير معروفة لأحد تكنولوجياً؟ هل أتاك حديث كابتن مورغان؟ أنه القرصان الأمريكي الأشهر في تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية، وترجع شهرته إلى الدهاء الذي اتسم به، وكان يقوم على أساسه بالعمل، فالكابتن مورغان لم يكن يغير بنفسه على السفن، بل كان ينتظر القراصنة وهم عائدون من رحلات القرصنة، ليسطو بدوره على ما حملوه من كنوز.. هنا فإن أدوات الوكالة المغرقة في سريتها، قد تعمد مرة واحدة إلى المخزون المعلوماتي، عوضاً عن التنصت أو التجسس على الأمريكيين فرداً فرداً. ثقب آخر في جدار التشريع الجديد، وهو أنه يمنح الوكالة مجدداً سلطة مطاردة الأشخاص الذين يشتبه بأنهم يخططون منفردين لممارسة أعمال إرهابية وإخضاعهم للتنصت، وعليه فإن علامة الاستفهام: من يحدد معايير هؤلاء الأشخاص؟ أليست الوكالة عينها؟ وعلى هذا الأساس تكون يداها غير مكبلة في مطاردة من تشاء للأسباب التي تراها هي من دون قيود قانونية رقابية تغل حركتها.. هل لهذا تعرض التشريع الجديد لانتقادات واضحة؟ عند السيد جعفر، نائب المدير القانوني لاتحاد الحريات المدنية الأمريكية أن نص القانون يترك من دون متابعة العديد من القوى المتطفلة والمفرطة في المراقبة. أما كريس سوغوان، إخصائي الاتصالات الآمنة والمحلل لدى اتحاد الحريات المدنية، فيرى أن النقاش حول جمع بيانات الهاتف هو نوع من التهميش للواقع الحقيقي، فرجال المخابرات أنفسهم يقولون إن الفصل 215 لا يعتبر برنامجاً مفيداً بشكل خاص. فيما يذهب تريفور تيم المدير التنفيذي لمؤسسة حرية الصحافة إلى أن قانون الحريات غير ملائم ورمزي إلى حد كبير، ويخشى على وجه الخصوص أن أحكامه الغامضة سيعاد تفسيرها سراً، وهي المشكلة برمتها التي شابت الفصل 215، باعتبار أن الحكم الصادر عن المحكمة الاتحادية التي قضت في الآونة الأخيرة بعدم شرعية تفسير واسع النطاق لكل ما له علاقة بمراقبة الاستخبارات الأجنبية. إلى أي حد ومد تبقي وكالة الأمن القومي الأمريكيين آمنين عبر مراقبتها للأمريكيين وتسجيل الشاردة والواردة في اتصالاتهم ومراسلاتهم ومناحي حياتهم كافة؟ يبدو أنها لا تأتي بالمطلق بالهدف المنوط بها، والعهدة هنا على الراوي "بروس شناير" الخبير الأمني، الذي تحدث لمجلة أتلانتيك في يناير/كانون الثاني 2014، حيث أشار إلى أن الوكالة.. تخترق أنظمتنا التقنية، لأن بروتوكولات الإنترنت نفسها، تصبح غير موثوقة. وليست إساءة الاستخدام المحلية هي التي ينبغي أن تثير قلقنا فقط، بل بقية العالم أيضاً.. كلما اخترنا التنصت بشكل أكبر على الإنترنت وتقنيات الاتصالات الأخرى كلما أصبحنا أقل أماناً من تنصت الآخرين.. إن اختيارنا ليس بين عالم رقمي يمكن فيه لوكالة الأمن القومي التنصت وعالم رقمي تكون فيه الوكالة ممنوعة من التنصت، بل بين عالم رقمي معرض لجميع المهاجمين، وعالم رقمي آمن لجميع المستخدمين. ما مستقبل وكالة الأمن القومي بعد هذا التشريع الجديد؟ في تقرير مطول نشرته مجلة دير شبيجل الألمانية في أوائل شهر يناير/ كانون الثاني الماضي، ويبدو من القراءة المعمقة له أن مصدره الاستخبارات الألمانية عينها، التي لها باع طويل في التعاطي مع الأجهزة الاستخبارية الأمريكية، يرصد الأهمية الفائقة لهذه الوكالة في حروب أمريكا المستقبلية، وعليه فبالقطع يمكن القول إن ما هو معروف عن NSA لا يمثل إلا غيضاً من فيض، ونقطة في بحر، فهي الوكالة المنوط بها تتويج أمريكا سيدة العالم، عبر استخدام شبكات الإنترنت حول العالم، لتكون هي وبقية أدوات الاتصالات المجال الجديد لحروب أمريكا، من أجل توفير الدم الأمريكي، وخطط الوكالة هنا تهدف إلى استخدام الشبكة لشل شبكات الكمبيوتر لدى الأعداء، ما سيؤدي إلى السيطرة على البنية التحتية للدولة، وهذا يشمل السيطرة على الطاقة وإمدادات المياه والمصانع والمطارات وتدفق الأموال.