×
محافظة المدينة المنورة

وفد تايلاندي يزور جامعة الإمام محمد بن سعود

صورة الخبر

تفاقمت أزمة الأقلية المسلمة في ميانمار المعروفة باسم الروهينغا في الأشهر الأخيرة نتيجة استمرار سياسات العزلة والاضطهاد العرقي المطبقة منذ سنوات في هذا البلد القابع في منطقة جنوب شرق آسيا. حيث لم يجد الكثير من هؤلاء المسلمين طريقاً للهروب من المعاناة الشديدة الناجمة عن هذه السياسات سوى الهروب والهجرة من ميانمار إلى الدول المجاورة، أملاً في الوصول إلى مكان آخر يعيشون فيه بأمان. غير أن هذا الفرار يجعل هؤلاء يضطرون إلى ركوب سفن متهالكة وغير آدمية، كما يجعلهم يتوسلون إلى سلطات الدول المجاورة لكي تسمح لهم بالدخول إلى أراضيها، فيصطدمون بواقع عدم شعور تلك السلطات بمآسيهم وإغلاقها باب الأمل والحياة في وجوههم، فيموت بعضهم غرقاً أو جوعاً أو عطشاً أو مرضاً، وآخرون يقعون في براثن القراصنة الذين يستوطنون بعض الجزر القريبة، ومن بينهم تجار عبيد وتجار أعضاء بشرية، فتكون النتيجة أمام أغلبية الروهينغا فراراً من جحيم قاس إلى جحيم أشد قسوة. تصف منظمة الأمم المتحدة محنة المسلمين الروهانغ في ميانمار، (الذين يقدر عددهم، حسب الإحصاءات الرسمية، بنحو 800 ألف شخص، ما يمثل نحو 4 في المئة من إجمالي سكان ميانمار البالغ عددهم نحو 55 مليون نسمة)، بأنهم من أكثر الأقليات اضطهاداً في العالم. وليس في هذا الوصف شيء من المبالغة؛ فالسلطة الحاكمة والأكثرية البوذية في ميانمار تمارس عليها أقبح أنواع التمييز العنصري والدّيني، ويدفعونهم دفعاً للهجرة، أو القبول بأدنى الحقوق في مأساة إنسانية لا تضاهيها مأساة أخرى في العالم. فدستور ميانمار الحالي، الذي تم وضعه في عام 1974، لا يعترف بالأقلية المسلمة، بل ويسد كل أبواب الفرص أمامهم لكي يصبحوا مواطنين، لأنه يشترط أن تقدم الأقليات العرقية والإثنية مستندات تثبت أن أسلاف الشخص كانوا يعيشون في البلاد، قبل بداية الحكم البريطاني لميانمار في عام 1824. وبناء على هذا الشرط المتعسف، يفتقر المسلمون الروهانغ إلى الجنسية الميانمارية، وذلك بموجب قانون الجنسية الصادر عام 1982. وقد ترتب على فقدان الجنسية، حرمان المسلمين الروهانغ من أدنى حقوقهم الإنسانية، كإجبارهم على القيام بأعمال السخرة من دون أجر في بناء الثكنات العسكرية أو شق الطرق أو بناء السدود، وحرمانهم من تملك العقارات وممارسة أعمال التجارة ومصادرة أراضيهم، ومنعهم من تقلد الوظائف في الجيش والهيئات الحكومية، وحرمانهم من تأسيس المنظمات الأهلية وممارسة الأنشطة السياسية. كما فرضت الحكومات المتعاقبة في ميانمار ضرائب وغرامات مالية باهظة عليهم، وحرمت أبناءهم من مواصلة التعليم في الكليات والجامعات، إضافة إلى منعهم من التنقل والسفر من مكان لآخر داخل ميانمار إلا بتصريح من الحكومة، ومن يذهب للخارج يطوي قيده من سجلات القرية، أما إذا عاد فيُعتقل عند عودته. ولا يسمح للمسلمين الروهانغ أيضاً بالانتقال من مكان إلى آخر، داخل ميانمار، دون التصريح، الذي يصعب الحصول عليه. كما يتم حجز جوازات السفر الخاصة بالمسلمين الروهانغ لدى الحكومة ولا يسمح لهم بالسفر للخارج إلا بإذن رسمي، ويعتبر السفر إلى عاصمة الدولة (رانغون) أو أي مدينة أخرى، من دون تصريح مسبق، جريمة يعاقب عليها القانون. ولم تقتصر الإجراءات التعسفية تجاه المسلمين الروهانغ على تلك الأمور، بل مست أيضاً دور العبادة، حيث قامت السلطات الرسمية بهدم العديد من المساجد والمدارس الإسلامية، كما وضعت هذه السلطات عوائق قانونية وإجرائية كثيرة للحيلولة دون إعادة بنائها أو ترميمها. وبالإضافة إلى ذلك، تم وضع قواعد صعبة لزواج المسلمين الروهانغ في ميانمار. ومن ناحية أخرى، يجبر أطفال المسلمين الروهانغ على تعلم مناهج بوذية تخالف معتقدات المسلمين الإيمانية، فضلاً عن منع المسلمين من إطلاق لحاهم أو ارتداء الزي الإسلامي. وفي ظل هذه الظروف بالغة القسوة، أصبحت أقلية الروهينغا حديث وسائل الإعلام في الآونة الأخيرة، لكثرة الحوادث البشعة التي تعرضوا لها وهم في طريقهم للفرار من ميانمار إلى الدول المجاورة بحثاً عن وطن جديد يضمد جراحهم ويداوي آلامهم. حيث تواترت الأنباء عن وقوع مئات القتلى والمصابين في صفوف المهاجرين الروهينغا، كما ظهر الحديث عن اكتشاف مقابر جماعية لهم في تايلاند. وكانت الفاجعة الحقيقية تتمثل في عدم موافقة معظم الدول المجاورة التي كانوا يقصدونها، وهي تايلاند وإندونيسيا وماليزيا وبنغلاديش، على استقبال أي مهاجر غير شرعي جديد خشية زيادة وطأة الأعباء الأمنية، والمالية، أو وقوع أزمة إنسانية، بل وقامت بعض هذه الدول بمنع دخول مراكب هؤلاء المهاجرين من الروهينغا لمياهها الإقليمية ليظلوا لأكثر من ثلاثة أشهر في عرض البحر تتقاذفهم الأمواج، وفي حال يرثى لها، يعانون الجوع حتى اضطر بعضهم إلى أكل حبال المراكب وشرب الماء المالح، ومن بينهم أطفال وشيوخ لم يحتملوا الجوع والعطش، وآخرون أصابهم المرض فلقوا مصرعهم، ولم تكن نهايتهم في القبور بل في بطون الأسماك. ومع زيادة الضغوط الدولية للرفق بمعاناة هؤلاء الروهينغا، وافقت السلطات في ماليزيا وإندونيسيا على استقبالهم مؤقتاً، وبشرط إعادتهم إلى بلدهم خلال عام، كما أعلنت ماليزيا استعدادها لتوفير المساعدات الإنسانية لنحو ٧ آلاف مهاجر. وفي تايلاند، استقبلت بانكوك في 30 مايو/أيار الماضي مؤتمراً إقليمياً لحل أزمة المهاجرين غير الشرعيين (وعلى رأسهم الروهينغا) في دول جنوب شرق آسيا، التي أصبحت أكبر أزمة تواجه دول رابطة جنوب شرق آسيا آسيان منذ حرب فيتنام، حسب وصف كثير من المراقبين. المأساة التي يعانيها المسلمون الروهانغ في ميانمار لا يبدو أنها سوف تجد طريقاً للحل في المدى المنظور. فالدولة هناك تنظر إليهم باعتبارهم دخلاء، والأغلبية البوذية من السكان ينظرون إليهم على أنهم مهاجرون غير شرعيين، ومن ثم يجب معاملتهم كمنبوذين داخل المجتمع الميانماري. رئيس ميانمار، ثين سين، أعلن صراحة وبوضوح أن الحل الوحيد للمسلمين الروهانغ في ميانمار هو تجميعهم في مخيمات للاجئين تحت إشراف المفوضية العليا للاجئين التابعة للأمم المتحدة أو طردهم من البلاد إلى أي بلد آخر يقبلهم. ومن جهتها، تصور وسائل الإعلام في ميانمار المسلمين الروهانغ على أساس أنهم إرهابيون وخونة. بل ويذهب عدد من الصحف إلى الربط بينهم وبين تنظيم القاعدة والإرهابيين البنغال الذين يرتكبون أعمال العنف في محاولة لنشر الإسلام في آسيا. ومما يزيد الأمور تعقيداً أمام حل هذه المأساة هو أن بعض الدول المجاورة لميانمار تتجاهل الطريقة التي يصل بها المهاجرون غير الشرعيين إلى بلادهم، ويستغلونهم في العمالة الرخيصة ويمنعون عنهم أبسط حقوق الحماية الأساسية. ويجني المسؤولون الفاسدون وتجار البشر في هذه الدول أرباحاً هائلة من وراء معاناة هؤلاء المساكين. ومن جهة أخرى، لا تهتم الدول الكبرى، خاصة ذات النفوذ والتأثير في ميانمار مثل الولايات المتحدة وكندا، بحل أزمة الروهينغا. كما أن دول رابطة آسيان، التي تعد ميانمار أحد أعضائها، مترددة في التدخل النشط لحل هذه الأزمة، تمسكاً منها بأحد المبادئ الأساسية لديها، وهو مبدأ عدم التدخل في شؤون الدول الأعضاء بالرابطة. وحتى زعيمة المعارضة في ميانمار أونج سان سوتشي، لم تنبس ببنت شفة للدفاع عن هؤلاء الضحايا. وكان ينبغي عليها أن تستغل تأثيرها وسمعتها العالمية للتأكيد أن المواطنة حق أساسي لكل البشر، خاصة بعد أن ناشدها الأمين العام لمنظمة التعاون الإسلامي، وأن تساعد على إنهاء العنف ضد المسلمين في بلادها. وفي ضوء هذه اللامبالاة العالمية لحل أزمة الروهينغا، يحذر عدد من الخبراء من وقوع الروهينغا فريسة سهلة في شباك تنظيم داعش، خاصة مع حرص هذا التنظيم الإرهابي على تجنيد مقاتلين جدد من ماليزيا وإندونيسيا حيث يقاتل حالياً في صفوف داعش بسوريا والعراق نحو 700 إندونيسي و200 ماليزي. ومما يزيد من خطورة الأمر أن عدداً من المراقبين أكد أن عناصر من المسلحين والمتعاطفين مع داعش قاموا مؤخراً بنشر رسائل على الإنترنت لحث مسلمي الروهينغا على السفر إلى سوريا والعراق للمشاركة في القتال. وفي النهاية، ينبغي القول: إن أعمال القتل والتعذيب والاضطهاد، التي يتعرض لها المسلمون الروهانغ في ميانمار، سوف تؤدي إلى كارثة إنسانية جديدة في منطقة جنوب شرق آسيا، ما لم يتم التعامل معها بشكل سريع وفعال، فضلاً عن أنها أيضاً تتنافى مع كل الأديان السماوية والقيم الإنسانية وحقوق الإنسان التي أقرتها سائر المبادئ والاتفاقيات الدولية، وتتطلب تدخل حكومات العالمين العربي والإسلامي وكل القوى المحبة للسلام في العالم من أجل تقديم جميع أشكال الدعم لمسلمي ميانمار لمنحهم حقوق المواطنة كاملة وتمكينهم من العيش على أرضهم في أمن وسلام. *خبير الشؤون الدولية والآسيويةمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية a.kandil1974@gmail.com