الاكتفاء ، الذي لايمارسه الكثير من البشر الآن، هو نوع من اليقين المطمئن وهو عكس الوفرة بالطبع. غير ان الاكتفاء ليس مفهوما غامضا كما يشعر البعض.بل هو واضح باستغناءنا عن الكثير من الاشياء غير الهامة في الحياة. ليس عيبا اليوم ان نشعر بالاكتفاء، فإن لا يطلب الانسان المزيد والفائض عن الحاجة فهذا يعنى القناعة والاحساس بالسعادة كذلك. لكن من يسمع كلامنا اليوم؟ اكثر الناس صاروا طماعين الى درجة ان لا يكتفوا بأى شئ. فإذا امتلكوا سيارة فاخرة اليوم يطالبون بعد فترة بسيارة افخم واغلى. واذا امتلك غني قصرا كبيرا فإنه يشعر بعد عدة سنوات ان هذا القصر لا يناسب مكانته المادية والاجتماعية فيبذل المستحيل لكى يسكن في قصر اكبر وافخم. هل هناك من يسعى الى الاكتفاء اليوم؟ شخصيا اشك في ذلك ، وان وجدوا فهم اقلية صغيرة قنعت بما لديها ، وعلى العكس فهى تريد الاستمتاع بمباهج الحياة ولكن بقناعة تامة ورضا عن النفس وتحقيق ما يمكن من الطموح والاحلام. اما الاغلبية فهى تريد وتريد ولا تكتفى بما حققته ماديا او معنويا وبما حصلت عليه طوال عمرها . وفي قاموس الاغلبية هناك تعابير استبدلت بكلمات اخرى مثل : المزيد، تحقيق الاحلام، انتصار على المعجزات ، والحصول على الكثير والكثير مهما كان الثمن باهضا ماديا او حتى اخلاقيا! اعترف بأن هناك حياة تستحق الاكتفاء ، وحياة ايضا لا ينبغى فيها الاكتفاء. غير ان الفوارق كثيرة وصعبة . فالفرق بين تحقيق ان نمتلك كل شئ ، والتخلى عن الاحلام التي تريدنا الحصول على الكون كله، تبدو بها فوارق كبيرة وليست سهلة على الاطلاق. كل البشر اليوم من حقهم تحقيق طموحاتهم واحلامهم والحصول على رغباتهم ، لكن المشكلة في اختلاف هذه الطموحات والآمال بشكل كبير، فليس كل ما يريد المرء يدركه. فالرياح تجرى بما لا تشتهى السفن ، لان التخلى عن الاكتفاء في حياتنا اليوم يعنى ان نغرق في بحر عميق من الطمع والزيادة الفارغة. ومهما كان وضعنا اليوم اشعر ان الحياة بها من الكفاية الكثير، وبها من الاشياء الجميلة ما يجعلنا نشعر بسعادة الاكتفاء الذي غادر عالمنا.