ما الذي يجري بالمنطقة، ومن الذي يخطط خلف الأبواب المغلقة، أشاهد الأخبار في وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة... وأخاف وأقلق من الذي يدور، ويزداد الخوف والقلق عندما أشاهد ردود فعل الناس المختلفة حول ما يدور في العالم عن العربي من مشاهد الدم فأعجب وأقلق أكثر وأكثر... أشم رائحة الموت والقتل والدم والانتحار ونشر خطاب وصيحات الكراهية وعدم قبول الآخر من خلال الأحاديث المختلفة بين الأطراف المتنازعة، وكل طرف يعتقد أنه على حق! والعالم كله يتقدم ويزدهر ماعدا العالم العربي والإسلامي يزيد في تخلفه أكثر وسط مشاهد الانتحار عبر قوارب الموت أو النحر باسم الدين والقتل على حسب الهوية. كم هو مؤلم ونحن نشاهد قوارب الموت وهي تبحر بمجموعة من الأطفال والنساء وهي في طريقها إلى جنة الغرب التي يتمنونها، وسط ركام الأمواج، وعبر قوارب متهالكة وهم يبحثون عن حياة أفضل ومستقبل لأبنائهم، مع أن يومياً هناك مفقودين في وسط البحار ولكن لا تجد من يتحدث عنهم في وسائل الإعلام وكأنهم مجرد أرقام، ويمر الخبر مرور الكرام... ومن يستمع لشهادة الناجين منهم يعرف حجم المأساة والمخاطر التي مروا بها قبل أن يأخذ البحر نصف أعداد الهاربين من جحيم المآسي في العالم العربي والإسلامي، وقد ألف الكاتب المغربي يوسف أمين العلمي روايته «مهاجرون قذفهم البحر». ويتحدث فيها عن معاناة الهجرة غير الشرعية وحجم المخاطر التي يتعرض لها المهاجرون. أما مشاهد النحر التي نراها على وسائل التواصل الاجتماعي والتي تنشرها مجموعات وفصائل مختلفة تعتبر نفسها أنها إسلامية فهي في قمة التوحش البشري، والمشكلة أن هذا يتم باسم الدين، وسط صيحات وتكبيرات لإعطائها الطابع الديني الذي يكرم الإنسان ويدعو للسلم والسلام. ولكن يبقى السؤال المهم هو من الذي أوصلنا إلى هذه الحالة البائسة في العالم العربي؟ ولماذا أصبحنا لا نستطيع أن نسمع ونعيش مع المخالف لنا، لماذا نشاهد قوارب الموت تبحر من العالم العربي والإسلامي ولا نشاهد العكس يحدث بالنسبة للدول الأوروبية والغربية؟ وهل هي أزمة إدارة أم هوية أم فشل الدولة المدنية الحديثة في توفير وسائل العيش المختلفة، حتى نرى هذه التيارات المتطرفة تنشأ بيننا؟! لماذا نشاهد الإنسان في العالم العربي وهو مليء بالتعصب والعنف والانغلاق ورفض الطرف والرأي الآخر؟ وهل التعليم له علاقة بذلك؟ ولماذا العالم العربي ينتج الانتحاريين ويصدرهم للخارج، بينما يصدر الغرب للعالم الإسلامي العلم والتكنولوجيا والتطور والتقدم ونحن نصدر قوارب الموت والانتحاريين؟! ويبقى السؤال المهم وهو لماذا نجح المتطرفون من كل الأطراف في سرقة الأضواء من الجميع، وسط فشل الإعلام بل حتى أهل الفن والإعلام وقادة الرأي يفكرون بالمصلحة الشخصية الصرفة، فنراهم كذلك أصبحوا معاول هدم وليس بناء؟ العالم العربي يعيش في مخاض وقد يكون طويلاً، ولكن الخاسر الأكبر هو الإنسان البسيط، الذي يبحث عن قوت يومه. ويقول غسان شربل في مقال «مناجم الفشل والدم»: أكتب تحت وطأة الغضب. لماذا فشل اليمنيون في النجاة ببلدهم غداة تنحي علي عبدالله صالح؟ لماذا فشل العراقيون في بناء عراق ديموقراطي يتسع لجميع أبنائه غداة إسقاط صدام؟ لماذا فشل السوريون في إبرام تسوية تجنب بلادهم سقوط ثلاثمئة ألف قتيل ومليون جريح؟ لماذا فشل اللبنانيون في انتخاب رئيسٍ للجمهورية على رغم الأهوال الزاحفة عند حدودهم؟ نشهدُ تآكل بلداننا ونزداد رغبةً في النحر والانتحار. تتمزق خرائطنا ونصب الزيت على النار. «داعش» كارثة كبرى، لكن الكارثة الأكبر إصرارنا على مواصلة الرهانات الفاشلة والسباحة في الدم. هكذا نبحر من هاويةٍ إلى هاوية. نحفر في الماضي بحثاً عن مزيد من الخناجر. نتقاتل بعظام أجدادِنا وعظام أجدادهم... ونغرق أطفالنا في مناجم الفشل والدم. akandary@gmail.com