بين حياة الشاعر وشعره أخبار وأسرار، ولا يتكامل حضوره في نفوس محبيه إلاّ إذا ألمّوا بالكثير مما في مرايا هذه الحياة من صور، وبالكثير مما في إبداعه من مواقف ووجهات نظر. ولا شكّ في أنّ الرغبة في تكامل هذه الصورة الإنسانية الإبداعية تزداد عندما تتوارى صورته الشخصية، لكأنّ القرّاء يحبون أن يروا شاعرهم مجسداً من جديد ولو على الورق، فكيف إذا كان نزار قباني هو هذا الشاعر. هذا ما يُقدّمه كتاب «آخر كلمات نزار» (دار الساقي، طبعة ثانية)، بحيث يرسم كاتبه عرفان نظام الدين صورة بانورامية لنزار قباني من خلال معرفة المؤلف به، وهو كان مقرّباً منه ومعايشاً ليومياته، لا سيّما في الفترة التي بلغت فيها تجربته الحياتية والشعرية قمة عطائها. يكتب عرفان نظام الدين مقدمة خاصة بالطبعة الثانية يتناول فيها التغيرات الكبرى التي طرأت على عالمنا العربي منذ رحيل قباني في نيسان (ابريل) 1998 حتى اللحظة، فيخاطبه مستوحياً الكلام من مطلع قصيدة له: «ماذا أقول له لو جاء يسألني؟». راح الكاتب يُجيب على أسئلة عن أشخاص وأشياء تهمّ الشاعر، لكنها كانت في مجملها قاسية وجارحة. أخبره عن تقاتل العرب وجرح الشام ورحيل ابنته الكبرى هدباء وتوأم روحه وشقيقه صباح وأصدقاء له مثل غازي القصيبي ومحمود درويش وعبدالله الجفري الذي سبق أن أهدى نزار كتاباً بعنوان «آخر سيوف الأمويين الذهبية». ومما جاء في المقدمة: «نعم يا صديقي نزار: ماذا أقول لك؟ وكيف أفسّر لك حقيقة ما جرى، منذ رحيلك، لأمة العرب التي أحببتها وبادلتك الحبّ والوفاء؟ وكيف سأصف لك شلالات الدم التي تنزف من جسدها بدلاً من شلالات الحبّ والجمال التي تغنيت بها في قصائدك، أنت الذي شكوت مرّات ومرّات من أنك متعب بعروبتك وتساءلت: أشكو العروبة أم أشكو لكِ العربا؟»... أم أخبرك عن شامك حبيبتك، بل حبيبتنا جميعاً، التي تبكي اليوم دماً وتشرب من سعير العنف والقصف والقتل والتدمير، بعدما كنا نفتخر بها مدينة للسلام والمحبة والتعايش والسكينة المقدسة...». ولكن من بين التفاصيل المفرحة تهيئة صديقتهما المشتركة الكاتبة غادة السمان لكتاب جديد يتضمن رسائل نزار، هي التي عرفته وصادقته وكانت لها صلة قرابة مع الشاعر الراحل. وقدّمت السمان شهادة عن الكتاب بعنوان «عرفان كشف عن وجه حميم للشاعر»، ومما جاء فيها: «في هذا الكتاب لا نلتقي فقط نزار قباني الذي رحل قبل أكثر من عقد ونصف العقد، بل وأيضا الإعلامي عرفان نظام الدين. ونُبحر هذه المرة مع عطائه في فنّ «رواية السيرة الذاتية» في قالب التكريم»... يحتوي الكتاب على صور جمعت بين الكاتب والشاعر الراحل في منزله اللندني في «سلون ستريت»، ورسائل متبادلة بينهما تكشف عن الوجه الآخر لشاعر المرأة والحبّ والحرية، نزار قباني.