انفطرت قلوب الملايين ممن شاهدوا صورة الرضيع السوري آيلان كردي وهو مسجى ومنكفئ الوجه على شاطئ بودروم التركية. إنها حادثة أليمة انتفضت لها الضمائر، ورسالة بليغة بكل لغات الدنيا، يفترض أنها قرئت كما يجب، أما الرد عليها فهو ما تحمله القرارات والمواقف الدولية بخصوص مأساة اللاجئين في العالم والسوريين على الخصوص. آيلان كردي تحول إلى رمز لمعاناة اللاجئ من الإرهاب والاضطهاد والقمع، ولكنه عنوان من جملة عناوين يعج بها الواقع الكارثي في المنطقة العربية، فهذه منظمة يونيسيف تؤكد أن أكثر من 13 مليون طفل في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا محرومون من الذهاب إلى المدارس، وعددهم يضاهي 40 في المئة من جملة الأطفال في المنطقة عموماً، وتتوزع هذه النسب على عدد من الأقطار منها سوريا والعراق واليمن وليبيا والسودان، وهي البلدان المنكوبة بالحروب والنزاعات. وبسبب تعفن البيئة في أغلبها، لم يعد هناك ما يدعو إلى التفاؤل بمستقبل وردي كذاك الذي صوره مفجرو حروب الربيع العربي ودعاة الفتن. فها هي تلك الدعوات وسياسات التحريض قد أنتجت جيلاً ضائعاً سيسبب مخاطر جمة ليس بوسع المنطقة أن تستوعب تهديداتها في ظل العقلية العربية القاصرة عن الاستشراف القريب، مثلما لم تحسب جيداً تداعيات الأحداث العاصفة بعدما اندلعت في أواخر 2010 من تونس. حرمان ملايين الأطفال من المدارس يشكل جريمة ضد الإنسانية ومشهداً آخر من مشاهد الذبح والقتل والتكفير والتفجير والتهجير وتدمير المعالم التاريخية. فمن مصائب الأمة في هذا العهد أنها ابتليت بحروب وانقسامات وفتن عمياء تعمل على ضرب كيانها من أساساته لتؤسس مجتمعات جديدة يسودها الجهل والتخلف والتناحر القبلي والطائفي لعشرات السنين. ومن يصر على التفاؤل عليه أن يهدئ من مخاوف المنظمات الدولية، ومنها يونيسيف، من أن المجتمعات العربية المطحونة بالحروب والإرهاب معرضة للضياع التام، وما لم يتم تحرك عربي ودولي يعي دقة المرحلة، فإن كل السيناريوهات السوداء ستتحقق حتماً، وستدخل المنطقة بأسرها في نفق طويل مظلم لن تغادره قبل قرون. القاعدة شبه المؤكدة أن حرمان 40 في المئة من تلاميذ الشرق الأوسط وشمال إفريقيا من التعليم سيكون أكبر خزان بشري للجماعات الإرهابية وعصابات الجريمة حين تتوفر لها بيئة نموذجية قيمها السيئة الأمية والجهل، أما المجتمعات العربية المنكوبة حالياً بهذه الأوضاع فستعود خلال سنوات إلى العصر الحجري، حيث لا تعليم ولا علم، سوى دجل الدجالين وتجارة الفتن والصراعات الدينية والإثنية، بالتوازي مع تراجع التنمية وتفشي البطالة والظواهر الاجتماعية السلبية. والخطر يتجاوز تلك المجتمعات إلى جوارها، فالإرهاب والجهل مثل الأوبئة لا تعترف بالحدود ولا تلتزم الضوابط، وانتشارها بقوة في عدد من البلدان سيؤدي إلى حالة من عدم الاستقرار في المنطقة، وقد تكون هذه المخاوف هي واحدة من التحذيرات الشديدة التي صدرت منذ سنوات ولم يسمعها إلا القليل. من حسن الحظ أنه مهما عظمت المخاطر هناك مجال للتدارك المشروط بصدق النوايا، وأول الخطوات يكون بوقف هذه الحروب ولجم أبواق الفتن وملاحقة القتلة والمجرمين، فإذا تحقق ذلك أو شيء منه يمكن لهذه المنطقة أن تتغير وتنعم بالسلام والأمن وتنهل من معارف العصر لتكون واحدة من ركائزه لا ساحة للعبث والضياع. مفتاح شعيب chouaibmeftah@gmail.com