تغيرت الحرب على وقع تغير العالم. فمنذ نهاية الحرب البادرة في 1991، تراجع نازع القوى الى المواجهات، وصارت النزاعات أكثر فأكثر محلية ومدارها «داخلي». وخلصت الجولة السادسة عشرة من لقاءات مجلة «ليستوار» الفرنسية التي انعقدت أخيراً في بلوا الفرنسية، الى ان العولمة هي وراء شروخ عميقة تؤدي بعضها الى حرب من ضرب جديد تضطر الدول، وهي ضامنة السلام الدولي، الى الإعداد لها وجبه تحدياتها. والحرب المعاصرة تحمل مجموعة تحديات، أولها تاريخي. وهي تبرز حين كتابة التاريخ وصوغه، ومدارها على جواب اسئلة من ضرب هل دراسة النزاعات تقتضي تجاوز اطار التاريخ المحلي وربطها بسياقات أوسع؟ وعشية الذكرى المئوية للحرب العالمية الأولى يحتدم النقاش حول هذه المسألة بين المؤرخين. فإلى وقت قريب، غلبت كفة مؤيدي التاريخ المحلي في إطاره الوطني. ولكن الأمور تغيرت أخيراً. فالتاريخ انفتح على مقاربات مختلفة. واليوم، يلاحظ ميل الى ضلوع لاعبين من دول مختلفة في النزاعات المعاصرة. والتاريخ العابر للأوطان أو الأمم يقترح نظرة جديدة الى الحرب ويعيد تفسير الحرب العالمية الاولى تفسيراً شامل الرؤية أو معولم الرؤية، على نحو ما فعل المؤرخ الاميركي جاي وينتر في كتابه الأخير. والتحدي الثاني البارز هو تحدٍ فلسفي يتناول ثنائية النقيضين: الحياة في مواجهة الموت. وإثر دمار أوروبا في الحربين العالميتين، لم تعد هذه القارة تطيق الحرب. وفي سلسلة المداخلات هذه سلط المخرج برتران تافيرنييه الضوء على عبثية قرارات اتخذتها قيادات الاركان بين 1914 و1918 وأدت الى موت عشرات الآلاف من الشباب الاوروبي. والصدمات النفسانية التي نزلت بالاوروبيين إثر مجازر 1914 ومجازر 1939-1945 هي وراء طعن الرأي العام الاوروبي في العنف ونبذه، في وقت يبقى العالم مشرعاً عليه. والتحدي الثالث وثيق الصلة بالدراسات الاجتماعية. فالمجتمع المدني يتوق الى المشاركة في القرار السياسي، ورأيه صار يحتسب في النزاعات. فالحكومات تضطر الى احتواء الانتقادات حين تندلع حرب. وعارض الرأي العام التدخل في سورية وحال دونه. ولكن من الذي أثنى واشنطن وباريس عن شن ضربات على نظام بشار الاأسد؟ أهو الاتفاق الروسي – الاميركي القاضي بتفكيك الترسانة الكيماوية السورية أو رفض الرأي العام الغربي؟ وليس ثمة جواب شافٍ على شقي السؤال هذا. والنقاش لم يطوَ، وتكر سـبحة فصوله. والتحدي الرابع عسكري ركنه جواب سؤال: أي عقيدة تنتهج الدول للتكيف مع اشكال الحرب الجديدة وجبهها؟ وبحسب وزير الدفاع الفرنسي، جان – إيف دريان، تسوغ ثلاثية دوافع «امنية – أخلاقية – قانونية» التدخلَ العسكري. ورأيه هذا يعيد الاعتبار لمفهوم «الحرب العادلة» في النقاش الاستراتيجي حول مبدأ «مسؤولية الحماية». والتحدي الأخير استراتيجي في مواجهة الارهاب. فإدارة أوباما تتوسل بقوة تكتيكية الى القوى الثلاث التقليدية (سلاح الجو والقوات البرية والقوات البحرية). والقوة الموازية قوامها: القوات الخاصة والطائرات من غير طيار والحرب السيبرنيطـيقية. والـمقاربة هـذه هـي من بنات عولـمة المـخاطر. وهذه حملت الدول على التكيف مع مصادر الخطر الجديدة، أي الارهاب والمافـيات والـجرائم الالـكترونيـة. وفـي مواجهـة الشـبكات الارهـابيـة والجـرمـية هذه، لا تقوم قائمة لعمل عسكري تقليدي. فتلجأ الدول الى وسائل دفاعية اخرى وصوغ مفهوم جديد للامن. فهي قد توكل إذ تشن حملة عسكرية، شطراً من عملياتها اللوجيستية الى شركات عسكرية خاصة. ويفضي تذليل هذه التحديات الى إرساء عالم أفضل تتعايش فيه الامم. وفي مؤتمره الافتتاحي، تخيل الديبلوماسي والمؤرخ الاسرائيلي، إيلي بارنافي، مشروع سلام مستدام هو رهن نشر الديموقراطية في العالم لاقتلاع الحرب واستئصالها. * مراسل، عن «لوموند» الفرنسية، 23/10/2013، إعداد منال نحاس