مازالت السلطة الفلسطينية بحكوماتها المتتالية منذ اتفاق أوسلو عام 1994 تراوح مكانها، ولم تحقق أدنى متطلبات الحياة للشعب الفلسطيني، بل إن سياساتها المتخبطة والمتهالكة زادت من صلف الاحتلال وعدوانيته. وفي ظل الواقع المر الذي يعيشه الفلسطينيون في الوقت الراهن، لم تقدم حكومة التوافق الوطني التي شكلت قبل عام شيئاً باستثناء الوعود والأماني، بل تراجعت الأوضاع الإنسانية والاقتصادية، من دون إحراز أي تقدم في الملفات التي كان يتوجب عليها إيجاد حلول عملية وسريعة لها، وذلك يعطينا انطباعاً بأن الحكومة فشلت على كافة الصعد، وأن وجودها عبء يدفع ثمنه الشعب الفلسطيني. مشاكل غزة بقيت كما هي.. فالحصار قائم، وإغلاق المعابر والحدود مستمر، إضافة لعدم إحراز تقدم ملحوظ في عملية إعادة الإعمار. ورواتب الموظفين، علاوة على مشاكل حياتية كثيرة كأزمة الكهرباء والمياه وغيرها تراوح مكانها، كما أن العلاقات بين الفصائل الفلسطينية تشوبها مشاحنات متصاعدة لم تكن قد وصلت في السابق إلى الحد الذي هي عليه اليوم، حيث أسهمت الحكومة بتعميق الانقسام من خلال تعاملها بانتقائية وتمييز، وإقصاء أطراف لمصلحة طرف. هذه العوامل جميعها تضع علامات استفهام على حكومة من المفترض أن تعمل على إزالة هذه العراقيل. جاءت حكومة التوافق لتقوم بمهام ثلاث، وهي إنهاء الحصار لإنجاز ملف الأعمار، والعمل على توحيد مؤسسات السلطة الفلسطينية في شقي الوطن، والتحضير لإجراء انتخابات تشريعية ورئاسية وللمجلس الوطني، إلا أنها وبعد عام لم تنجح في أي من تلك الملفات والمهام الملقاة على عاتقها ولم نشهد أي انطلاقة حقيقية. على الرغم من أن مكونات حكومة التوافق من المستقلين، إلا أنها لا يمكن أن تكون بمعزل عن الأطراف الفلسطينية التي أنتجتها، فعدم امتلاك حركتي فتح وحماس للإرادة السياسية وكذلك التشبث بالمصالح الفئوية والتأثر بالضغوط والرهانات الإقليمية والدولية، هو السبب الرئيسي لفشل الحكومة. حيث كان من المفترض أن يدعما الحكومة في أداء مهامها في ظل ما تواجهه الحالة الفلسطينية من تحديات كبرى تضعها حكومة الاحتلال برئاسة بنيامين نتنياهو، بتطرفها ورفضها للدولة الفلسطينية وللحد الأدنى من الحقوق الفلسطينية. من المؤكد أن حكومة التوافق لن تستطيع الاستمرار بهذا الشكل في المرحلة المقبلة، في ظل استمرار المناكفات السياسية، حتى وإن كان هناك تعديل وزاري قريب كإجراء إسعافي لإنقاذ الحكومة، فلا يشكل هذا الحل ضماناً لنجاح عملها. ومما يزيد وضع الحكومة تعقيداً هو إجماع عدد من الفصائل الفلسطينية على فشل الحكومة في تنفيذ مهامها التي كلفت بها. وطالبت برحيل حكومة رامي الحمد الله، وتشكيل حكومة وحدة وطنية قادرة على حل الأزمات. الأزمات على الساحة الفلسطينية كثيرة، وهناك أزمة ثقة بين الجميع، لذا فإن في المرحلة الراهنة لا بد أن تستدعي الحوار الوطني، ووضع استراتيجية واضحة بناء على الثوابت الوطنية.