سارة نجيب: أكد الرئيس التنفيذي للمجلس الأعلى للبيئة محمد بن دينة أن التحضر والتنمية الاقتصادية والنمو السكاني المتسارع الذي تشهده البحرين - كما هو العالم- أدى لازدياد الطلب على الموارد الطبيعية وتزايد الضغوط على الأنظمة البيئية، وتلوث الموارد وزيادة كميات النفايات وبروز العديد من القضايا البيئية التي تستلزم تدخلات سريعة وسياسات توازن بين الحفاظ على البيئة والتنمية الاقتصادية. وأشار في تصريح لـ الأيام بمناسبة اليوم العالمي للبيئة أن أبرز تلك القضايا تتمثل في الحفاظ علي جودة الهواء بالمملكة، إذ تشير الدراسات إلى أن حوالي 49% من مجمل انبعاثات ملوثات الهواء تعود إلى عوادم السيارات التي وصلت نسبة الزيادة السنوية فيها إلى أكثر من 9% سنوياً، كما أن عمليات إنتاج الطاقة وتحويلها وانبعاثات القطاع الصناعي والنفطي تعد أهم التحديات التي تواجه المجلس في الحفاظ علي جودة الهواء هذا بالإضافة إلى ارتفاع تركيز الجسيمات العالقة بسبب زيادة وتيرة العواصف الترابية خلال العقد المنصرم الناجمة عن قلة الأمطار وزيادة التصحر المصاحبة. وأشار إلى أن البيئة البحرية التي أشتق منها اسم مملكة البحرين تتعرض للعديد من الضغوط، وقد يكون أهم تلك المصادر هو تركز المشاريع الإسكانية والصناعية ومشاريع البنى التحتية على السواحل وتصريف ما ينتج عنها من مخلفات سائلة إلى البحر، بالإضافة إلى عمليات الردم وجرف الرمال الشاطئية، والصيد الجائر، وهو ما أدى إلى تدهور الموائل البحرية وأهمها بيئات الحشائش البحرية، والشعاب المرجانية ومناطق أشجار القرم، ولعل تكرار ظاهرة نفوق الأسماك على سواحل البحرين دليل على وصول هذه الضغوط إلى الحالة الحرجة والتي يتطلب معها وضع خطط وحلول إستراتيجية. وأضاف: ساهمت زيادة النمو السكاني المطرد وتوسع المدن، وتغير أنماط الاستهلاك المرتبطة بالنمو الاقتصادي، بزيادة كمية النفايات بأنواعها المختلفة: المنزلية، الصناعية، الزراعية، ومخلفات الرعاية الصحية وذلك بسبب الازدياد المضطرد في ظل قلة المواقع المناسبة للتخلص من تلك النفايات، وغياب التقنيات الحديثة والملائمة للمعالجة السليمة بيئياً مما قد يؤول إلى تلوث عناصر البيئة من أرض وماء وهواء بشكل يتطلب معه حلول لمعالجة الأمر في ظل تناقص العمر الافتراضي لمدفن عسكر للنفايات وتقع مسئولية التعامل مع النفايات الصناعية ضمن مهام وصلاحيات المجلس الأعلى للبيئة. وتابع: نزيد على القضايا السابقة قضية تدني جودة المياه، إذ تعد مملكة البحرين واحدة من أكثر مناطق الإجهاد المائي في العالم، ويخشى أن يصبح ذلك أحد معوقات التنمية الاجتماعية والاقتصادية فيها. وتكمن أكبر الدوافع والتحديات التي تفاقم من هذا الوضع الحالي والطويل الأجل الطلب على المياه للقطاع الزراعي، والزيادة الكبيرة في الطلب على مياه الشرب بفعل النمو السكاني المضطرد وتنامي النشاطين السياحي والصناعي ناهيك عن أنماط الاستهلاك المرتفعة التي لا تتناسب وشح الموارد المائية في المملكة مما سبب في هبوط مستويات المياه الجوفية وتملحها. وقد أدى هذا الوضع إلى عبء اقتصادي متنامي مع الزمن على كاهل الحكومة لدعم إنتاج وتوزيع مياه الشرب المحلاة، ومعالجة مياه الصرف الصحي المتزايدة، ناهيك عن ما سيشهده العالم من زيادة في الإجهاد المائي بسبب تداعيات وآثار تغير المناخ. وفيما يتعلق بالجهود التي بذلها المجلس سبيل تحسين الوضع الحالي، أوضح قام المجلس على سبيل المثال في تحسين جودة الهواء بزيادة عدد وتحديث محطات شبكة الرصد وسن العديد من الضوابط والتشريعات الخاصة بمقاييس جودة الهواء، وتطبيق قوانين تقييم الأثر البيئي، وإلزام المصانع القديمة بتصحيح أوضاعها، والالتزام بتقنيات الإنتاج الأنظف في المصانع الحديثة، ونجح المجلس في الدفع باتجاه استخدام الغاز الطبيعي كمصدر للطاقة وتحسين نوعية الوقود ومراقبة عوادم السيارات وغيرها. و بالنسبة للبيئة البحرية، قال إن المجلس بدأ ببرنامج رصد يهدف إلى تأسيس إدارة سليمة لتصريف النفايات السائلة إلى البيئة البحرية، ومن خلال هذا البرنامج تمكن المجلس من تحديد مصادر الضغوط على البيئة البحرية وكذلك بناء قاعدة بيانات مكنته من وضع معايير وطنية خاصة بتصريف النفايات السائلة إلى البحر وتنفيذ أنشطة الرصد الدورية والتقييم، وتشير النتائج لهذه الأنشطة إلى انخفاض ملحوظ في تصريف النفايات غير المعالجة إلى البحر نظراً لتوسيع وتركيب مرافق وحدات المعالجة في المنشآت الصناعية الكبيرة، وتعزيز سياسة المراقبة الذاتية للنفايات السائلة من الصناعات الرئيسة .والأهم من ذلك، إلزام المشاريع التي أنشئت حديثاً بالقيام بإعداد دراسات تقييم الأثر البيئي. كما أن البحرين صدقت على العديد من الاتفاقيات الدولية لغرض الحفاظ على البيئة البحرية والتي تم على أثرها تحديد عدد من المناطق الساحلية واعتبارها مناطق محمية. وتشمل هذه المناطق منابت أشجار القرم في خليج توبلي، وجزر حوار ومواردها البحرية المحيطة بها. أما فيما يتعلق بجودة الماء، بين أن المجلس يدعم البرامج والمشاريع التي تقوم بها الجهات ذات العلاقة بوزارات الدولة والهادفة إلى ترشيد الاستهلاك وتقنين الاستخدام، كما أن المجلس يوجه ضمن دراسات تقييم الأثر البيئي إلى استخدام أحدث التقنيات الهادفة إلى تقنين وترشيد استهلاك الموارد المائية. وأضاف تم إنشاء مدفن حفيرة للنفايات الصناعية الخطرة وشبه الخطرة في العام 2001م كأحد عناصر الإدارة المتكاملة للنفايات، وذلك للتأكد من التخلص السليم من النفايات الصناعية حفاظا على سلامة بيئة الإنسان وصحته. ويأتي إصدار قرار (3) لسنة 2006 بشأن إدارة المخلفات الخطرة داعما للعمل على التحكم في هذا النوع من النفايات في إطار قانوني. كما حدد هذا القرار الأدوات الإدارية والقانونية للتحكم في المخلفات والحيلولة دون انتشار آثارها الملوثة للبيئة والحياة الفطرية والضارة بالصحة العامة. كما أن المجلس يشرف على ترخيص اغلب المواد الكيميائية المستوردة للمملكة والتأكد من أنها تطابق جميع الاشتراطات البيئية العالمية. وأكد أن هناك إجراءات وجهودا احترازية تبذل في هذا الإطار من خلال المراقبة المستمرة للمشاريع وإجراء دراسات الأثر البيئي للمشاريع الصناعية والتنموية في المملكة، كما قام المجلس بإعداد خطط لمكافحة التلوث البيئي ووضع إجراءات احترازية للحد من وقوع حوادث التلوث وتخفيف الأضرار البيئية في حال حصولها. ولفت إلى أن المجلس يقوم برصد لجودة البيئة البحرية المستمر إلى تقييم حالة البيئة البحرية في المياه الإقليمية للمملكة من خلال دراسة الخواص الفيزيائية والكيميائية ونسب الملوثات الرئيسة في مياه ورواسب البحر. ويساهم هذا البرنامج في الكشف المبكر عن الآثار البيئية للمصانع وباقي الأنشطة البشرية ذات الأثر العكسي على البيئة البحرية، تمهيداً لاتخاذ التدابير العاجلة للحد منها قبل استفحالها. وأضاف يقوم المجلس بدراسة نمط حركة التيارات البحرية وجودة المياه وخاصة ما لها علاقة بالاستخدام في محطات التحلية، ومن ثم يقترح السبل الكفيلة بتحسين حركة المياه وهو ما يؤمل أن ينعكس إيجاباً على جودة البيئة البحرية. ومن المخطط أن يتم ربط هذا المشروع بنتائج الرصد الدوري لجودة البيئة البحرية الذي ينفذه مختبر المجلس بالإضافة إلى استكشاف إمكانية مراقبة قاع البحر بالموجات فوق الصوتية بالتعاون مع جهاز المساحة والتسجيل العقاري. وقال نفذت مملكة البحرين عدة مشاريع لإعادة تأهيل المواقع المتضررة، وهي من المبادرات التي توليها الاتفاقية المتعلقة بالتنوع الحيوي أهمية خاصة. فعلى سبيل المثال، نفذ المجلس الأعلى للبيئة وبالتعاون مع وزارة شؤون البلديات والتخطيط العمراني مشروعاً لاستزراع شتلات نبات القرم وزراعتها بهدف إعادة تأهيل المناطق الساحلية المتدهورة وزيادة الرقعة الخضراء في المناطق الساحلية. واعتبر أن الإطار التشريعي لحماية البيئة بالمملكة في طور التحديث والتعديل المستمر حيث إن المجلس الأعلى للبيئة قد أرسل مسودة مشروع قانون البيئة إلى مجلس النواب تمهيداً لإقراره في الفصل التشريعي القادم، فضلاً عن إصدار العديد من التشريعات البيئية في الآونة الأخيرة مثل قانون الأوزون وقرار المكاتب الاستشارية وغيرها من التشريعات. وهذا إيمانا من المجلس بان التشريعات في حاجة مستمرة للتحديث والتطوير لتقوية الإطار القانوني بالتعاون مع المجلس التشريعي، ولا يتم هذا بمعزل عن تحديث الإطار المؤسسي لجهاز البيئة وهو ما تم من خلال إنشاء المجلس الأعلى للبيئة بالمملكة. وحول التنسيق مع الوزارات والجهات التنفيذية، أكد أنه انطلاقا من أهمية تبني النهج التشاركي في مواجهة القضايا البيئية قام المجلس بتنفيذ العديد من المشاريع التوعوية بالتعاون مع الوزارات الحكومية بمملكة البحرين، كما تم أيضاً توقيع اتفاقيات تعاون مشتركة بينهم لتعزيز الثقافة البيئة والتأكيد على أهمية الشراكة المجتمعية للحفاظ على البيئة من خلال تبادل الأدوار والتعاون المشترك. وأضاف يوجد العديد من اللجان الوطنية البيئية كاللجنة المشتركة لتغير المناخ واللجنة الوطنية لمنظمة التجارة العالمية بالإضافة إلى اللجان التابعة للوزارات لحكومية والتي من خلالها يتم التنسيق وتنفيذ المشاريع وورش العمل التوعوية، المسوحات البيئية والزيارات الميدانية لما يخدم العمل البيئي في المملكة. وفيما يتعلق بالشراكة مع القطاع العام والخاص في مجالات البيئة، ذكر أن ذلك يمثل توجه على المستوى الدولي، وإن المجلس يسعى إلى تفعيله على المستوى الوطني من خلال الكثير من الشراكات في مشاريع التوعية والتطوير في القطاع الخاص للقيام بمشاريع تنموية تخدم القطاع البيئي وعلي سبيل المثال دعمنا لكل مشاريع إعادة تدوير النفايات في المملكة. كما يقوم المجلس بدعم القطاع الخاص فنيا في التعامل مع مخلفاته وتحسين جودها لعدم الأضرار بالبيئة.