وإذا عرفنا أن المقولة الثانية لجرجي زيدان في مؤلفه "العرب قبل الإسلام" (1908) حاول الربط بين مصطلح ال"هيكسوس" المنتشر في المدونات التاريخية اليونانية وأن يقابله بمصطلح ال"عمالقة/ عماليق" في مثيلاتها العربية، وتبعه في ذلك محمود الحفني دون إشارة، وهو ما توصل إليه المؤرخ الروسي فليكوفسكي لاحقاً بل إنه ذهب -أي زيدان- إلى أبعد في محاولة قلما انتبه إليها الباحثون في أن يكون هؤلاء كل من الهيكسوس الذين دخلوا مصر في القرن الثامن عشر والسادس عشر قبل الميلاد، والعمالقة الذين هم أحفاد شعب / قوم عاد الذين جاءوا من اليمن النصف الأول من الألف الرابع قبل الميلاد، يمكن أن يكونوا أجداد العرب القدماء، بل إن تواجد الساميين في بلاد النيل هو امتداد حضاري لمكوّن جغرافي تمثله المجتمعات في علاقات السياسة والاقتصاد والثقافة، فأهل بلاد النيل مدينون للساميين بالآلات الحديدية حيث انتقلت الصناعات السومرية إليها كما يدعو أهل بلاد النيل بلاد العرب ب"الأرض المقدسة" أو "أرض الآلهة" ( زيدان، 1908، 52). وتطورت العلاقات الصناعية بين بلاد النيل وبلاد الرافدين في استخراج ونقل المعادن كالفيروز والنحاس (ردفورد، 2005، 38). وفي نقش اكتشف عام 1980 في سقارة، يعاصر الأسرة الثانية عشرة، يؤرخ لإحدى الحملات العسكرية العنيفة الموجهة إلى سيناء وجبال لبنان وثلاثة أماكن في آسيا لقهر شعوبها واستجلاب قسري لمنتجاتها ومصنوعاتها ومعادنها، ففي النقش جرد لمأكولات وأحجار كريمة وزيت وأشجار وأسلحة نحاسية (مطعمة بالذهب والفضة والعاج) وأوان وخمر وخشب(ردفورد،2005، 78). وأبعد من ذلك هناك آثار حضارية سومرية وبابلية وآرامية انتقلت إلى بلاد النيل نتيجة التفاعل الحضاري، وهو من الصعب إنكاره تحت أي دعاو عصبية منغلقة!. ويمكن تذكر مجموعة من المكتشفات الحضارية، ومنها في ما اصطلح عليه بأنها قاعة سجلات مدينة "أخيت –آتون" في بلاد النيل، وهذه المكتشفات هي ألواح طينية دعيت لاحقاً ب"رسائل تل العمارنة" مدونة باللغة الآشورية-البابلية (فليكوفسكي، 2002، 314). وبرغم أنها تعبر عن مراسلات رسمية بين حكام وإداريي مناطق إلا أنها تنطوي عن اعتراف بعلاقات حضارية في مجالات عدة بل إن ما كسبته بلاد النيل بعد طرد ال"هيكسوس" من شمالها حيث توطنوا، استئناس الخيل واستخدام العربة إحدى أخطر وسائل النقل في ذلك العصر، وهو مالم يسبق أن عرفته بلاد النيل (زيدان، 1980، 82). وقد اعتمد المؤرخ الروسي فليكوفسكي على مصادر مصرية وعبرية وعربية لاستقراء تاريخ هؤلاء القوم الساميين الذين تواجدوا في بلاد النيل لزمن ليس بالقصير. وقد تنبه إلى أنه يمكن أن تكون كارثة طبيعية دفعت بهم إلى الانتقال نحو الغرب في بلاد النيل بسبب الكوارث والأوبئة والفتن، وهو ما لاحظه في مدونات المؤرخين العرب كالمسعودي (ت.956)، والأصفهاني (ت.967) بأنه فيضان أو السيل الجارف، وأطلق عليها المؤرخ الروسي "ليلة التدمير الكبرى" (فليكوفسكي، 2002، 105).