×
محافظة المنطقة الشرقية

الزواهرة: انبذوا التعصب فالرياضة تقرب ولا تبعد، وتجمع ولا تنفر

صورة الخبر

هنري كيسنجرهومستشارالرئيس الأمريكي الراحل ريتشارد نيكسون للأمن القومي ووزيرخارجيته ,وهو المخطط الأول لكثيرمن التحولات السياسية والإستراتيجية التي يشهدها الشرق الأوسط منذ منتصف السبعينات وربما حتى يومنا هذا. قد لا يعلم كثيرون أن الرجل نفسه كان سببا في إعتزال الهداف الألماني الأسطوري جيرت موللرللمباريات الدولية مع فريق بلاده,وهو صاحب هدف الفوزعلى هولندا في المباراة النهائية لمونديال 1974 على أرض ألمانيا الغربية في ذلك التاريخ,أما سبب قراره فيعود لاستضافة كيسنجرفي مقصورة كبارالشخصيات العالمية بينما تم استبعاد زوجة موللرمن الجلوس في هذا المكان المتميز. على أية حال لم يكن كيسنجرمشغولا بموللر ولا بزوجته ولكن كان يشغله أمرإستراتيجي بحكم عمله وأرضيته الثقافية والأكاديمية,ثعلب السياسة الأمريكية لاحظ أن الولايات المتحدة القوة العظمى الأولى غيرموجودة بأي شكل من الأشكال في هذا المحفل الأسطوري. فدولتا النهائي المانيا وهولندا ولا حضورأمريكي جماهيريا أوتنظيميا أوحتى تحكيميا وإداريا,في تلك اللحظة حدد كيسنجرخطته الشهيرة لوضع كرة القدم الأمريكية على الخريطة العالمية وضمان مكان دائم لها في الدورات العالمية لأنه لا يصح غياب بلاده وهي القوة العظمى عن تلك المناسبات التي تحمل أكثرمن معنى وأكثرمن رسالة. وبالفعل نجحت خطة كيسنجروفي غضون سنوات محدودة أصبح للولايات المتحدة دوري عام قوي أستقطب نجوما لهم أسمهم ووزنهم على غرارالجوهرة السمراء بيليه,وأصبح المنتخب الأمريكي ضيفا دائما على البطولات العالمية الكبرى,بل واستضافت الولايات المتحدة مونديال عام 1994 وكان كيسنجرهو رئيس اللجنة المنظمة للبطولة. والحقيقة أن البطولة شهدت إضافات جديدة مثل رفع عدد اللاعبين البدلاء إلى ثلاثة بدلا من إثنين,وتغيير أزياء الحكام ليصبحوا أصحاب القمصان الملونة بدلا من القمصان السوداء ,واستخدام لوحات الأرقام الإلكترونية بدلا من الورقية .. وكذلك السيارات الكهربائية لحمل اللاعبين المصابين لإستكمال علاجهم خارج أرضية الميدان,والأهم أن نسبة الحضورالجماهيري اقتربت من 100% في جميع المباريات حتى بعد الخروج المبكرللفريق الأمريكي,وبذلك نجحت خطة كيسنجروتحقق حلمه الذي وُلد قبل عشرين عاما في نهائي مونديال 1974. ولكن يبدوأن أبناء وأحفاد وتلاميذ كيسنجركانت لهم وجهة نظرأخرى بضرورة إختراق هذه القلعة الحصينة المعروفة اختصارا باسم الفيفا(الإتحاد العالمي لكرة القدم)وقد عهدنا على مرالعقود الماضية قدرة واشنطن على اختراق الكثيرمن الدول وإسقاط نظم وتنصيب أخرى,بل واستطاعت إسقاط المسكرالإشتراكي بأكمله وتفكيك إمبراطورية الإتحاد السوفيتي,إلا أن الفيفا وحده ظل شامخا حصينا عصيا على الإختراق من جانب أي قوى دولية أوإقليمية. فقرارات الفيفا ظلت دائما نافذة وملزمة لكل دول العالم,وبينما كانت قرارات الأمم المتحدة وهي المنظمة الدولية الأقوى لا تحظى بالاحترام ولا تجد من ينفذها أو يلتزم بها وكثيرا ما ظلت حبيسة الأدراج مهما كانت أهميتها وجديتها كالقرارات الخاصة بالصراع العربي-الإسرائيلي مثلا,إلا أن كلمة الفيفا واجبة النفاذ. والوقف أوالشطب أوالحرمان هي العقوبات المنتظرة لكل من تسول له نفسه الخروج على قواعدها أوضوابطها أوقراراتها,بل إن وقف النشاط الكروي على كل المستويات كان ولايزال عقوبة أي دولة يتدخل نظامها السياسي أوالحكومي في منظومة عمل كرة القدم بها وذلك حرصا من الفيفا على حرمان الجهات السياسية والإدارية من التحكم في اللعبة ومؤسساتها. هذه الإنضباطية الشديدة جعلت الفيفا دولة قائمة بذاتها لها عالمها الخاص,بل أصبحت أهم مؤسسة جامعة على الصعيد الدولي ويرجع ذلك في جزء منه إلى إرتباطها بأكثرالرياضات شعبية في العالم وارتباطها أيضا بصناعة كرة القدم وصناعات أخرى مترتبة عليها ويقدر رأسمالها بمئات المليارات من الدولارات. ولكن هذه الإمبراطورية الرهيبة ما كان من الممكن استمرارها بكل هذا الغموض إلى ما لا نهاية خاصة وأن هناك قوى عالمية كبرى سياسية وليست رياضية أخذت تفتش بدقة وبـأساليب مخابراتية في ملفاتها وأوراقها الخفية ودهاليزها الغامضة,ويبدو أنها حققت أهدافها أوعلى الأقل بدأت رحلة فرض إرادتها على تلك المؤسسة الطاووسية. تجدرالإشارة في هذا المقام إلى أنالفيفا مؤسسة دولية لا تعرف تداول السلطة بطريقة واضحة حتى وإن كانت تعتمد على انتخاب رئيسها دوريا,وأكبردليل على ذلك أن عدد من شغلوا رئاستها منذ تأسيسها بدايات القرن الماضي يمكن إحصاؤهم على أصابع اليد الواحدة وغالبا لا يترك رئيس الفيفا منصبه إلا بعدما تضربه الشيخوخة فيصبح عاجزا عن العمل. وتلك ظاهرة غريبة تؤدي إلى قيام ثورات شعبية إذا ما وقعت في دول ونظم سياسية معينة,الظاهرة نفسها تتكررفي اللجنة الإوليمبية الدولية والإتحادات القارية,ونظرا لارتباطها بمصالح مالية رهيبة وشركات ضخمة عابرة للقارات كان من الطبيعي أن يضربها الفساد سواء في صورة رشى أوغسيل أموال أومؤامرات خفية. ولعل ذلك ما سهل لأجهزة مخابرات عالمية كبرى أمريكية وأوروبية على وجه الخصوص النفاذ إلى مكمن الخلل وتفجير الأوضاع من الداخل في وقت حساس جدا سبق التجديد لرئيس الفيفا جوزيف بلاتر,وأدى ذلك بالقطع إلى وقوع المنظمة العريقة في براثن السياسة التي حاولت أن تنأى عنها لسنوات طويلة,وهي بالقطع وقعت في يد من لا يرحم. وبغض النظر عن النتائج النهائية للأزمة إلا أن الشيء المؤكد أن الفيفا في المراحل المقبلة لن تكون هي نفس المؤسسة التي عرفناها قبل الأربعاء الدامي,لقد أوقعتها أمريكا وبريطانيا في دوامة الفوضى الخلاقة ربما لعدم اختيارهما لتنظيم مونديالي 2018و2022 ولكن الأيام القادمة ستحمل في الغالب الكثيرمن المفاجآت والمواجهات أيضا.