×
محافظة المنطقة الشرقية

بيروت معلّقة في صندوق ... بين زمنين

صورة الخبر

بعد كل سنين التعلم أجد أن جهلي في حالة نمو، وأن بعض الأمور تمثل تحديات فكرية كبيرة لأنها غير منطقية، ولكنني أخجل أن أطرحها لأنها من «البدهيات». وأخص بالذكر هنا موضوع الجاذبية لأنها بعيدة كل البعد عن البدهيات. تخيل أن معدل سقوط جميـع الأجسام لا يختلف مهما كان التباين كبيرا بين كتلتهم. يعني لو رميت جسمين أحدهما ثقيلا والآخر خفيفا فمن المنطقي أن يتسارع الثقيل بمعدل تسارع أكبر ليسبق الجسم الخفيف. وكمثال لو طاح «بن يمين نيتن ياهوه» و «صرصار» صغير أعزكم الله في نفس اللحظة من على نفس الارتفاع من فوق سطح مبنى شاهق، فسنتوقع أن يسبق الرجل الثقيل الحشرة الصغيرة ويصل إلى سطح الأرض قبلها، لو لم يلعب عامل مقاومة الهواء دوره. طبعا حسب ما تعلمنا في المدرسة والجامعة أن ظاهرة الجاذبية تملي علينا مبدأ التساوي في التسارع بين الجسمين مهما كان التباين بين كتلتهما، مع ضرورة أخذ مقاومة الهواء في الاعتبار. وتسقط الأجسام بمقدار تسارع بمشيئة الله يساوي حوالى 35 كيلومتر في الساعة في الثانية الواحدة، لكل ثانية خلال السقوط... يعني في الثانية الأولى من «الطيحة» ستكون السرعة حوالى 35 كلم في الساعة... ثم في الثانية التي تليها ستكون حوالى 70 كلم في الساعة... وبعد الثانية الثالثة ستصل إلى 105 كلم في الساعة... وهكذا. ووراء هذا الاكتشاف مجموعة من العلماء العباقرة وأهمهـم الإيطالي «جاليليو» عام 1586 ثم الإنجليزي اسحق نيوتن عام 1666 وقصة هذا العالم الشهيرة أنه كان جالسا في الحديقة، والله أعلم ماذا يفعل، وإذا بتفاحة تسقط على رأسه فاكتشف الجاذبية... قصة جميلة ولكنها تجسيد لمبدأ «الكلام الفاضي» في أقوى أدواره. لو لم يكن عقله جاهزا لما وضع وصف الجاذبية حتى لو سقطت على رأسه خمسون «خربزة» . كان هذا الرجل مستعدا بالقراءة والتفكير، والتجارب، والعقل الجبار... وربما أضاف سقوط التفاح حوله التخيل الإضافي لوصف التفاعل بين الأجسام. ومن عجائب الجاذبية موضوع «المد» و «الجزر» فتخيل أن الفارق بين جاذبية القمر في الجزء الأبعد عن الأرض كافٍ لسحب ملايين الأطنان من ماء البحر كل يوم. ويلعب هذا السحب الجبار للمياه أحد أقوى الأدوار بمشيئة الله في قوة التيارات، وفي تشكيل البيئة البحرية لملايين الكائنات. فكرة رهيبة في أبعادها وتفاصيلها. ولا يقتصر موضوع الجاذبية على البحر فحسب، ففي الجو نرى مقاومة الجاذبية بإرادة الله بطرق إعجازيـة. جميع الكائنات الطائرة تتغلب على الجاذبية بإرادة الله عز وجل. وإحدى الأمثلة الرائعة على آثارها على الجسم البشري تظهر لنا بوضوح عندما نرى صور رواد الفضاء. تكبر رؤوسهم وتصغر أقدامهم بالإضافة إلى آلاف التغيرات الجسمانية الأخرى. ومن عجائب الجاذبية أن أثناء حركة المركبات الفضائية في الفضاء الخارجي حول المدار الأرضي يتعرضون لحوالى تسعين بالمائة من الجاذبية الأرضية. أمنـيـــة وبالرغم من غرائب الجاذبية بشكل عام، إلا أن لها جوانبها البديهية والجميلة جدا وهي الجاذبية نحو الوطن. وخلال هذه الأيام نتذكر مقدار قوتها: نراها في اللحمة الوطنية، والالتفاف القوي حول وطننا الغالي في وجه الهمجية الإرهابية. أتمنى أن يدرك العالم بأكمله أن هذه الأعمال الإرهابية ستزيد جاذبيتنا إلى وطننا. وأتمنى أن تتاح لي شخصيا الفرصة لتقبيل أيادي أهالي الضحايا، فكل منهم له مكانة في قلبي، وفي قلب هذا الوطن الكبير العزيز. والله يحميه.. وهو من وراء القصد.