×
محافظة الرياض

«الطيار للسفر» تفتتح أول منفذ بيع بنظام الامتياز التجاري بالرياض

صورة الخبر

يقال إن هناك تلميذا طُلِب منه إعراب جملة "أكل محمد الجزرة"، فأجاب: "أكل" فعل ماض، و"محمد" فاعل، ولكنه حار في إعراب "الجزرة"، فلما قيل له إنها مفعول به وعوتب على جهله ذلك، احتجّ بأن ما تعلّم أن يكون مفعولا به في العادة هو "التفاحة" وليس "الجزرة"! تعلّم ذلك التلميذ التعيس الإعراب من خلال جملة "أكل محمد التفاحة" وليس "أكل محمد الجزرة"، فارتبط فهمه للإعراب بالمثال الذي لقنوه إيّاه دون أن يفهم طريقة تجريد الحكم على ما يمكن قياسه عقلا إلى ذلك المثال. قد يبدو هذا الأمر طريفا عند تناوله على هذا المستوى من السذاجة، ولكن الحقيقة أن كثيرا من الناس لا تنفك طريقة تفاعلهم العقلي مع الوجود تسير بنفس النحو في بعض مسارات حياتهم. ولعل الأمثلة كثيرة على ذلك، ولكن ربما تكفي الإشارة في هذا المقال إلى بعض الأمثلة المتعلقة بمجال مهم، بل لعله الأهم لنا كمسلمين وهو طريقة تعاطينا مع النص القرآني. فالنص القرآني بشكل خاص أولى النصوص المكتوبة بتنزيهه عن القراءة بطريقة "أكل محمد التفاحة"، فهو النص الذي نقول بخالديته وانفتاحه اللا متناهي لاستيعاب المتغيرات. ولكن رغم اعتقادنا النظري بهذا، ما زال بعضنا يغفل العمل به، ومن ذلك ما يسلكه على سبيل المثال عند اطلاعه على السياقات التي تتحدث عن الأمم والملل السابقة للبعثة المحمدية. إذ يصعب عليه تجريد الأحكام العامة من تلك السياقات، فلا يتجاوز بمقتضاها الحكْمي أولئك الذين قدمتهم تلك السياقات كمجرد أمثلة لتقريب الفكرة وتيسير الاستيعاب. فلنتأمل مثلا هذه الآية الكريمة: "وقالت اليهود ليست النصارى على شيء وقالت النصارى ليست اليهود على شيء وهم يتلون الكتاب كذلك قال الذين لا يعلمون مثل قولهم فالله يحكم بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون"، ولنسأل أنفسنا من جديد: هل المراد منها الحديث عن اليهود والنصارى بشكل حصري وتزويدنا ببعض المعلومات الإضافية عنهم؟ أم المراد حقيقة هو عرض نمط فكري لا يزال مهيمنا على جدل الملل والفرق، وهو ما قد يصح نعته بنمط "لستم على شيء"؟ وهو نمط لا يصعب اكتشافه في كثيرين من أهل التعصب من المتدينين والمتمذهبين والمتحزبين، إذ ينعدم الإنصاف وتحتجب الرؤية عن النظر إلى نقاط القوّة والجمال التي تتضمنها معتقدات الآخر وقناعاته بين ما قد يحيط بها من نقاط أخرى تفتقر إلى تلك القوّة أو ذلك الجمال، وحيث ينطلق المحاور ابتداء من الاقتناع بأنه يملك كل شيء، بينما لا يملك نظيره من الأمر شيئا. فكما أن اليهود ليسوا على شيء، والنصارى ليسوا على شيء، فكذلك السنة ليسوا على شيء والشيعة ليسوا على شيء، والإسلاميون ليسوا على شيء، والليبراليون ليسوا على شيء، إلى آخر ذلك من متناظرين يزعمون التديّن بقبول هذا النص القرآني، ويتراشقون اتهاماتهم رغم ذلك وفق هذا النمط الذي استنكره وذمّه النص ذاته. كما يتجاهلون في الوقت نفسه تبني ما تناوله القرآن بعرضٍ إيجابي في سياق نصيّ آخر. أعني ما تضمنته الآية الكريمة: "قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله"، وهو ما يمكن تسميته نمط "تعالوا إلى كلمة سواء"، ربما علينا أن نفهم بأن هذه الطريقة التي يوصي النص القرآني باتباعها، أي طريقة الانطلاق من نقطة التقاء أو أرضية مشتركة للتفاهم، ليست مخصوصة في خطاب النبي عليه الصلاة والسلام لأهل الكتاب المعاصرين له. بل هي طريقة إيجابية في التعايش مع كل مغاير فكري أو عقدي، إذ من المفترض أن يتخلى العقلاء من كل حزب عن تفكيرهم وفق نمط "لستم على شيء" ويتبنون في طرحهم نمط "تعالوا إلى كلمة سواء"، فيقول السني للشيعي تعال إلى كلمة سواء نصطلح عليها ونتفق، ونبني ابتداء منها نظامنا المقترح في علاقة إيجابية، وكذلك يقول الشيعي للسني، ويقول التراثي للحداثي والحداثي للتراثي، وما إلى ذلك من تصنيفات. يقودني ما سبق إلى تذكّر الوطن ومصلحة المستظلين به كأهم "كلمة سواء" يجدر بنا الانطلاق منها في تعايش بنّاء تحض عليه مسؤوليتنا تجاه من يخلفنا على ظله من الأجيال. علينا أن نفهم أننا كلنا "على شيء" عندما نتكلم عن أوطاننا وما تعنيه لنا. كما يقودني ما سبق أيضا إلى القول إن العجز التجريدي عن إعراب المحل إذا خلت منه التفاحة واحتلته الجزرة من المهم ألا ينسحب إلى عجز أخلاقي يدعونا إلى إنصاف التفاحة عندما يقع عليها ما يسوء من القضم، وتجاهل الجزرة عند وقوع مثل ذلك عليها، فالفعل واحد والإعراب واحد عند من يعي.